حيث هي رؤية ، وكان الإنس لنفيها الشك والرّيب ، أو لوقوع العلم بأمر زائد لم يعلم من قبل.
ولو أن رجلا أراد أن يضرب لك مثلا في تنافي الشيئين فقال : هذا وذاك هل يجتمعان؟ وأشار إلى ماء ونار حاضرين ، وجدت لتمثيله من التأثير ما لا تجده إذا أخبرك بالقول فقال : هل يجتمع الماء والنار؟
وسبب آخر من أسباب بلاغة التشبيه وتأثيره في النفس عند عبد القاهر هو التماس شبه للشيء في غير جنسه وشكله ، لأن التشبيه لا يكون له موقع من السامعين ولا يهزّ ولا يحرّك حتى يكون الشبه مقررا بين شيئين مختلفين في الجنس ، كتشبيه العين بالنرجس وتشبيه الثريا بما شبّهت به من عنقود الكرم المنوّر.
وفي ذلك يقول : «وهكذا إذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشدّ كانت إلى النفوس أعجب ، وكانت النفوس لها أطرب ، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحية أقرب».
«وذلك أن موضع الاستحسان ، ومكان الاستظراف ، والمثير للدفين من الارتياح ، والمتألف للنافر من المسرّة ، والمؤلف لأطراف البهجة ، أنك ترى بها ـ التشبيهات ـ الشيئين مثلين متباينين ، ومؤتلفين مختلفين ، وترى الصورة الواحدة في السماء والأرض ، وفي خلقة الإنسان وخلال الروض ...».
«ومبنى الطباع وموضوع الجبلة على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه ، وخرج من موضع ليس بمعدن له كانت صبابة النفوس به أكثر ، وكان الشغف منها أكثر وأجدر. فسواء في إثارة التعجب ، وإخراجك إلى روعة المستغرب وجودك الشيء في مكان ليس من أمكنته ،