البعيد ، كما يقول ابن الأثير ، على غاية لا يحتاج فيها إلى بيان وإيضاح.
* * *
وقد يكون التشبيه مصيبا ولكنّ وقع المشبه به على النفس صورة كان أو صفة أو حالا قد يثير فيها حالا من البشاعة أو الاستنكار ، وبهذا يفقد التشبيه روعته وسحره وتنتفي عنه صفة البلاغة ، ويضحى تشبيها قبيحا معيبا. ومن أمثلة ذلك قول شاعر يصف روضا :
كأنّ شقائق النعمان فيه |
|
ثياب قد روين من الدماء |
فتشبيه شقائق النعمان بالثياب المرتوية بالدماء قد يكون هذا تشبيها مصيبا ولكن فيه بشاعة ذكر الدماء ، ولو شبه الشقائق مثلا بالعصفر الأحمر اللون أو ما شاكله لكان أوقع في النفس وأقرب إلى الأنس.
وقول امرىء القيس :
وتعطو برخص غير شثن كأنّه |
|
أساريع ظبي أو مساويك أسحل (١) |
فامرؤ القيس يقول إنّ صاحبته تتناول الأشياء ببنان أو أصابع رخصة ليّنة ناعمة ، ثمّ يشبه تلك الأنامل بدود الرمل أو المساويك المتخذة من شجر الأسحل. فقد يكون تشبيه البنان بهذا الضرب من الدود مصيبا من جهة اللين والبياض والطول والاستواء والدقة ، ولكنه في الوقت ذاته يحضر إلى الذهن صورة الدود وفي ذلك ما فيه من نفور النفس واشمئزازها. ومن
__________________
(١) تعطو : تتناول ، برخص : أراد به بنانا أو أصابع رخصة لينة ، غير شثن : ليس بخشن ، الأساريع : دود يكون في الرمل تشبه أنامل النساء به ، الظبي : اسم رملة بعينها ، والأسحل : شجر تتخذ من أغصانه الدقيقة المستوية مساويك كالأراك ، وتشبه به الأصابع في الدقة والاستواء.