كذلك عرض السكاكي «٦٢٦ ه» للحقيقة والمجاز وعرفهما بقوله : «الحقيقة اللغوية هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له ، والمجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة من إرادة معناها في ذلك النوع» (١).
وممن توسع في موضوع «الحقيقة والمجاز» ضياء الدين الأثير «٦٣٧ ه» فقد عرفهما أولا بقوله : «الحقيقة اللغوية : هي حقيقة الألفاظ في دلالتها على المعاني ، وليست بالحقيقة التي هي ذات الشيء ، أي نفسه وعينه ، فالحقيقة اللفظية إذن هي دلالة اللفظ على المعنى الموضوع له في أصل اللغة ، والمجاز هو نقل المعنى عن اللفظ الموضوع له إلى لفظ آخر غيره.
وتقرير ذلك أنّ أقوال المخلوقات كلها تفتقر إلى أسماء يستدل بها عليها ليعرف كل منها باسمه من أجل التفاهم بين الناس وهذا يقع ضرورة لا بدّ منها.
فالاسم الموضوع بإزاء المسمى هو حقيقة له ، فإذا نقل إلى غيره صار مجازا. ومثال ذلك أنا إذا قلنا «شمس» أردنا به هذا الكوكب العظيم الكثير الضوء ، وهذا الاسم له حقيقة لأنّه وضع بإزائه. وكذلك إذا قلنا «بحر» أردنا به هذا الماء العظيم المجتمع الذي طعمه ملح ، وهذا الاسم له حقيقة لأنّه وضع بإزائه.
فإذا نقلنا «الشمس» إلى الوجه المليح استعارة كان ذلك له مجازا لا حقيقة ، وكذلك إذا نقلنا «البحر» إلى الرجل الجواد استعارة كان ذلك له مجازا لا حقيقة» (٢).
__________________
(١) كتاب التلخيص للقزويني ص ٣٢٨.
(٢) كتاب المثل السائر ص ٢٤.