قبله. وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال يوم غزوة حنين : «الآن حمي الوطيس» ، وأراد بذلك شدّة الحرب ، فإنّ «الوطيس» في الوضع هو «التنور» (١) ، فنقل إلى الحرب استعارة ، ولم يسمع هذا اللفظ على هذا الوجه من غير النبي صلىاللهعليهوسلم ، وواضع اللغة ما ذكر شيئا من ذلك ، فعلمنا حينئذ أنّ من اللغة حقيقة بوضعه ومجازات بتوسعات أهل الخطابة والشعر. وفي زماننا هذا قد يخترعون أشياء من المجاز على حكم الاستعارة لم تكن من قبل ، ولو كان هذا موقوفا من جهة واضع اللغة لما اخترعه أحد من بعده ولا زيد فيه ولا نقص منه.
ثمّ يستطرد ابن الأثير إلى الكلام عمّا بين المجاز والحقيقة من عموم وخصوص وكذلك إلى الكلام عن قيمة المجاز البلاغية فيقول : «واعلم أنّ كل مجاز له حقيقة لأنّه لم يصح أن يطلق عليه اسم المجاز إلّا لنقله عن حقيقة موضوعة له ، إذ المجاز اسم للموضوع الذي ينتقل فيه من مكان إلى مكان ، فجعل ذلك لنقل الألفاظ من الحقيقة إلى غيرها ، وإذا كان كل مجاز لا بدّ له من حقيقة نقل عنها إلى حالته المجازية ، فكذلك ليس من ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز ، فإنّ من الأسماء ما لا مجاز له كأسماء الأعلام لأنّها وضعت للفرق بين الذوات لا للفرق بين الصفات.
__________________
وقد اغتدي والطير في وكناتها |
|
بمنجرد «قيد الأوابد» هيكل |
الأوابد : الوحوش ، والهيكل : العظيم الجرم والجسم. والمعنى : قد أباكر الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس قليل الشعر عظيم الجسم ماض في السير يقيد الوحوش بسرعة لحاقه إياها. وقوله «قيد الأوابد» جعل الفرس لسرعة إدراكه الصيد كالقيد لها لأنها لا يمكنها الفوت منه ، كما أنّ المقيد غير متمكن من الفوت والهرب.
(١) التنور : نوع من الكوانين ، والتنور : كل ما يخبز فيه ، والتنور : نبع الماء كالقدر حين يفور ، قال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ.)