الاصطلاحي المعروف يقول : «ومن الاستعارة ما قدمناه من إنطاق الربع وكل ما لا ينطق إذا ظهر من حاله ما يشاكل النطق. ومما جاء من هذا النوع في القرآن قوله : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ.) لما جاز أن تحتمل مزيدا من الكافرين حسن أن يقال : قالت وهل من مزيد؟ وكذلك قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ،) وذلك لما كانتا عن إرادته من غير استصعاب عليه ولا عصيان له ، جاز أن يقال إنهما قالتا أتينا طائعين.
وكذلك قوله : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ ،) لما كانت الإرادة من أسباب الفعل وكان وقوع الفعل يتلوها ، جاز لما قد كاد أن يقع وقرب وقوعه ، أن يقال أراد أن يقع.
ومثل ذلك قول الشاعر : «... امتلأ الحوض وقال قطني» ، أي لما لم تكن فيه ـ الحوض ـ سعة لغير ما قد وقع فيه من الماء ، جاز على الاستعارة أن يقال : قد قال حسبي ، وهذا شائع في اللغة كثير» (١).
وإذا كانت الاستعارة المكنية هي ما حذف فيها المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه فإن في كل من «جهنم ، والسماء ، والأرض ، والحوض» الواردة في الأمثلة السابقة استعارة مكنية حذف في كل منها المشبه به وهو شخص أو إنسان ورمز إليه بشيء من لوازمه هو «النطق والقول».
ومن البلاغيين من يسمي هذا النوع من الاستعارة «التشخيص» حيث تمثل فيه المعاني والجمادات إلى أشخاص تكتسب كل صفات الكائنات الحية أيا كانت وتصدر عنها أفعالها.
__________________
(١) كتاب نقد النثر ص ٦٥ ـ ٦٦.