إلى ما يدرك بالحاسة تعاليا بالمخبر عنه وتفخيما له إذ صير بمنزلة ما يدرك ويشاهد ويعاين.
وعلى هذا ورد قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ.) فاستعار «الأودية» للفنون والأغراض من المعاني الشعرية التي يقصدونها ، وإنّما خص الأودية بالاستعارة ولم يستعر الطرق والمسالك أو ما جرى مجراها ، لأنّ معاني الشعر تستخرج بالفكر والروية ، والفكر والروية فيهما خفاء وغموض ، فكان استعارة الأودية لها أشبه وأليق لإبراز ما لا يحس في صورة ما يحس مبالغة وتأكيدا.
ومما ورد من الاستعارة في الأحاديث النبوية قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تستضيئوا بنار المشركين» فاستعار «النار» للرأي والمشورة ، أي لا تهتدوا برأي المشركين ولا تأخذوا بمشورتهم.
فرأي المشركين أمر معنوي يدرك بالعقل وتمثيله بالنار هو إظهار له في صورة محسة مخيفة يبدو فيها رأي المشركين نارا تحرق كل من يلامسها أو يأخذ بها. فالسر في قوّة تأثير هذه الصورة وجمالها راجع إلى مفعول الاستعارة ، هذا المفعول الذي انتقل بالفكرة من عالم المعاني إلى عالم المدركات مبالغة.
ومن خصائص الاستعارة أيضا بث الحياة والنطق في الجماد كما ذكرنا آنفا كقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) فكل من السماء والأرض جماد تحول بالتوسع الذي هيأته الاستعارة إلى إنسان حي ناطق.
وكقول الرسول وقد نظر يوما إلى «أحد» : «هذا جبل يحبنا ونحبه» ،