فجبل أحد هذا الجماد قد استحال بسحر الاستعارة إلى إنسان يجيش قلبه بعاطفة الحب.
كذلك من خصائصها تجسيم الأمور المعنوية وذلك بإبرازها للعيان في صورة شخوص وكائنات حية يصدر عنها كل ما يصدر عن الكائنات الحية من حركات وأعمال.
فأبو العتاهية في تهنئة المهدي بالخلافة يقول من قصيدة :
أتته الخلافة منقادة |
|
إليه تجرر أذيالها |
فالخلافة هنا تستحيل بفعل الاستعارة إلى غادة هيفاء مدللة تعرض عن جميع من فتنوا بها إلّا المهدي فإنّها تقبل عليه طائعة في دلال وجمال تجر أذيالها تيها وخفرا.
وأبو فراس الحمداني عند ما يقول :
ويا «عفتي» مالي؟ ومالك؟ كلما |
|
هممت بأمر هم لي منك زاجر! |
فما شأن عفّة أبي فراس؟ وما شأن الصراع الناشب بينها وبينه؟ إنّها تستحيل بلمسة من لمسات الاستعارة السحرية إلى إنسان يقف موقف الزاجر كلما هم الشاعر بأمر تراه العفة غير لائق به!
فهذه الصورة الرائعة الخلابة المؤثرة ما كانت لتكون لو أنّ الشاعر التزم في التعبير حدود الحقيقة وقال مثلا : «أنا لا أحاول ما يشين لأني رجل عفيف».
والأفلاك وهي جماد والدهر وهو أمر معنوي ما خبرهما في بيت البارودي الذي يقول فيه :
إذا استلّ منهم سيد غرب سيفه |
|
تفرّعت الأفلاك والتفت الدهر |