والجزل للجزل ، والإفصاح في موضع الإفصاح ، والكناية في موضع الكناية ، والاسترسال في موضع الاسترسال» (١).
فالكناية عند الجاحظ كما نرى هنا معدودة من الأساليب البلاغية التي قد يتطلبها المعنى للتعبير عنه ولا يجوز إلّا فيها ، وأنّ العدول عنها إلى صريح اللفظ في المواطن التي تتطلبها أمر مخل بالبلاغة.
والذي يتتبع الجاحظ فيما قاله عن الكناية وفيما أورده من أمثلة لها يرى أنّه استعملها استعمالا عاما يشمل جميع أضرب المجاز والتشبيه والاستعارة والتعريض دون أن يفرق بينها وبين هذه الأساليب.
ومن علماء العربية الذين جاءوا بعد الجاحظ وبحثوا في «الكناية» تلميذه محمد بن يزيد المبرد «٢٨٥ ه» ، فقد عرض لها في الجزء الثاني من كتابه «الكامل» ذاكرا أنّها تأتي على ثلاثة أوجه ، فهي : إمّا للتعمية والتغطية ، كقول النابغة الجعدي :
أكني بغير اسمها وقد علم الل |
|
ه خفيات كل مكتتم |
وإما للرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من غيره : كقوله تعالى في قصة سيدنا عيسى وأمه عليهماالسلام :
(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ.) كناية عما لا بدّ لآكل الطعام منه (٢).
وأمّا للتفخيم والتعظيم والتبجيل كقولهم : «أبو فلان» صيانة لاسمه عن الابتذال ، ومن هذا الوجه اشتقت الكنية.
__________________
(١) كتاب الحيوان ج ٣ ص ٣٩.
(٢) كتاب الكامل للمبرد ص ٢٩٠ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.