فالمبرد كما نرى لم يعرّف الكناية وإنما التفت إلى ما تؤديه بعض صورها من فائدة في صناعة الكلام ، وكأنّه بذلك يوحي بأنّ هذا الاتجاه هو الأهم في دراسة الأساليب البلاغية ، وأنّه ينبغي التركيز عليه أكثر من التركيز على القواعد.
وابن المعتز «٢٩٦ ه» قد عدّ الكناية والتعريض من محاسن البديع ومثل لهما من منظوم الكلام ومنثوره ، ومن الأمثلة التي أوردها : «كان عروة بن الزبير إذا أسرع إليه إنسان بسوء لم يجبه ، ويقول : إني لأتركك رفعا لنفسي عنك. ثمّ جرى بينه وبين علي بن عبد الله بن عباس كلام ، فأسرع إليه عروة بسوء ، فقال علي بن عبد الله : إني لأتركك لما تترك الناس له. فاشتد ذلك على عروة (١).
وقدامة بن جعفر «٣٣٧ ه» عرض لها في «باب المعاني الدال عليها الشعر» من كتابه نقد الشعر ، وعدّها نوعا من أنواع ائتلاف اللفظ والمعنى ، وأطلق عليها اسم «الإرداف» وعرفه بقوله : «الإرداف أن يريد الشاعر دلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له ، فإذا دلّ على التابع أبان عن المتبوع بمنزلة قول الشاعر :
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل |
|
أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم» (٢) |
ثمّ أورد بعض أمثلة أخرى عليها. والكناية أو الإرداف على رأي قدامة هو في «بعيدة مهوى القرط» وهذا كناية عن طول العنق ، فمهوى
__________________
(١) كتاب البديع ص ٦٤.
(٢) كتاب نقد الشعر لقدامة ص ١١٣.