ويوضح عبد القاهر رأيه هذا في موضع آخر من كتابه بقوله : «واعلم أن الشيئين إذا شبّه أحدهما بالآخر كان ذلك على ضربين أحدهما : أن يكون من جهة أمر بيّن لا يحتاج فيه إلى تأويل ، والآخر : أن يكون الشبه محصّلا بضرب من التأويل» (١).
ثم يروح يشرح قوله هذا في إسهاب مفاده أن التشبيه العام هو ما كان وجه الشبه فيه مفردا ، أي صفة أو صفات اشتركت بين شيئين ليس غير ، وأن تشبيه التمثيل هو ما كان وجه الشبه فيه صورة مأخوذة أو منتزعة من أشياء عدة.
فقول البحتري في ممدوحه مثلا :
هو بحر السماح والجود فازدد |
|
منه قربا تزدد من الفقر بعدا |
هذا التشبيه على رأي عبد القاهر تشبيه عام لأن البحتري فيه يشبه ممدوحه بالبحر في الجود والسماح ، فوجه الشبه هنا مفرد وهو اشتراك الممدوح والبحر في صفة الجود.
وقول المتنبي في ممدوحه سيف الدولة :
يهز الجيش حولك جانبيه |
|
كما نفضت جناحيها العقاب (٢) |
هو عند عبد القاهر تشبيه تمثيل ، لأن المتنبي يشبه صورة جانبي الجيش ، أي صورة ميمنة الجيش وميسرته وسيف الدولة بينهما وما فيهما من حركة واضطراب بصورة عقاب تنفض جناحيها وتحركهما. ووجه الشبه هنا
__________________
(١) نفس المرجع ص ٧٠ ـ ٧١.
(٢) العقاب بضم العين : من الطيور الكاسرة ، وهي طائر خفيف الجناح سريع الطيران ، وبها يضرب المثل في العزة والمنعة ، فيقال : «أمنع من عقاب الجو».