ويدخل في العقلي أيضا ما يدرك بالوجدان ، كاللذة والألم ، والشّبع والجوع ، والفرح والغضب. وما يدرك بالوجدان يعني ما يدرك بالقوى الباطنية مثل القوة التي يدرك بها الشّبع ، والتي يدرك بها الجوع ، وكالقوة الغضبية التي يدرك بها الغضب ، وكذلك القوة التي يدرك بها الفرح والخوف وغير ذلك من الغرائر.
فمثل هذه المعاني توجد بفعل قوى باطنية تدركها النفس بها ، وتسمى تلك القوى وجدانا ، والمدركات بها وجدانيات. وقد سميت عقلية لخفائها وعدم إدراكها بالحواس الظاهرة ، كالألوان المدركة بالعين ، والطعم المدرك بالذوق.
أجود التشبيه عند أبي هلال :
وعند أبي هلال العسكري أن أجود التشبيه وأبلغه ما يقع على أربعة (١) أوجه :
أحدها : إخراج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه ، وهو قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ)(٢) يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً ، فأخرج ما لا يحس إلى ما يحس ، والمعنى الذي يجمعهما بطلان المتوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة ولو قال : «يحسبه الرائي ماء» لم يقع موقع قوله : «الظمآن» ؛ لأن الظمآن أشد فاقة إلى الماء ، وأعظم حرصا عليه.
وهكذا قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٢٤٠.
(٢) القيعة بكسر القاف والقاع : المستوي من الأرض الذي لا ينبت.