ذلك المرتفع ونصبنا خيامنا في أرض مستوية قريبة من مخيم الأعراب ، وبقينا في حراسة ومراقبة دقيقة ، وسرعان ما أقبلوا علينا وتحدثوا إلينا برقة ، كما جلبت نساؤهم لنا الماء واللبن الجيد.
ولما كنا قد رأينا القوم عراة جياعا وهيئاتهم أشبه بهيئات الغجر ، فقد أبينا أن نضع ثقتنا فيهم ، وظللنا نراقبهم مراقبة جيدة طول الليل.
لقد كان هؤلاء من الأقوام الرحل ، أي أنهم اعتادوا حياة البطالة والكسل منذ الصغر. وهم يحتملون الجوع والحر والبرد أكثر من أن يحصلوا على شيء ما من أعمالهم اليدوية ، أو يزرعوا الحقول ، أو ينشئوا البساتين لإدامة حياتهم ، وإن كانوا قد يفعلون ذلك في بعض الأماكن الخصبة التي تقع تحت تصرفهم ، ولذلك فأنت تجد هنا عددا كبيرا منهم يعيش في أطراف هذه الصحارى الرملية التي لا يعيش فيها إنسان ، لكنهم يعيشون في خيامهم أشبه بمعيشة الحيوانات في الكهوف أو يتنقلون بكل حرية ، مثل الغجر ، من مكان إلى آخر إلى أن يستقروا في أحد هذه الأماكن فيستمرئوا العيش فيه مع مواشيهم لفترة طويلة ، حتى إذا أتوا على كل ما هو موجود من طعام دفعتهم الحاجة إلى الارتحال من هنا بحثا عن مكان آخر (١).
وفي الخامس عشر من الشهر وقبل أن يطلع ضوء النهار ، نهضنا في صباح بارد ونحن نعتزم أن نبلغ مدينة «بير» عند المساء. غير أن دوابنا كانت جد متعبة بسبب شدة الحر وثقل الأحمال التي كانت تحملها إلى
__________________
(١) كان الأعراب أو البدو وما زالوا حتى الآن يتنقلون في الأراضي التي يكثر الكلأ فيها أيام الربيع ومن ثم يغادرونها إلى مواقع أخرى أيام الصيف ، حيث تقتصر مهنتهم على رعي الأغنام والإبل.
ولكن يبدو من الوصف الذي ذكره المؤلف أن القوم الذين شاهدهم في هذه المنطقة هم من جماعات الغجر (الكاولية) على أكثر احتمال.