خصام حاد ، وأخذ أحدهما يهجم على الآخر لدرجة أننا لم نستطع في ذلك الوقت أن نتدخل بينهما مما أدى إلى نشوب جلبة وضوضاء.
والسبب الذي دعا ذلك الموظف إلى مثل هذا التصرف هو أن قافلتنا لم تكن متجهة إلى «ديار بكر» ، المدينة التي تبعد مسيرة أربعة أيام من هنا وتقع على ضفة نهر دجلة السريع الجريان ، كيما يستطيع أن يحصل منا على مقدار كبير من الرسوم يستخلصها لنفسه وحده. لكن ربان السفينة ، وهو تركي ، لم يكن يحمل في سفينته شيئا سوى القمح ولذلك لم يستطع الموظف أن يحصل منه على شيء ، فتركه وأقبل علينا نحن الغرباء وهو يفكر في أن يصيب منا ما يعوض به عما أصابه من خسران ، وأن يخيفنا في سبيل هذه الغاية.
ولذلك أمضى الليلة في السفينة معنا ونام بيننا لأنه كان يخشى أن نبادر إلى إخفاء بعض السلع عنه ، وكان في بعض الأحيان يخاطبنا بكلمات غليظة ، كما كان يردد قوله «انظروا ليس مسموحا لنا أن ندع الأجانب يجتازون هذه البلاد ولذلك فليس أمامه والحالة هذه سوى أن يقبض علينا بصفة جواسيس». وهذا هو الأمر الذي اكتشفه دون غيره ، وذلك أمر يكفي لحجز سلعنا ولإرسالنا بتهمة التجسس إلى اسطنبول لنصبح إرقاء لدى سيده السلطان الأكبر!
وبعد أن استمعنا إلى حديثه الخالي من الصواب والعقل ، وعرفنا محاولته خداعنا لم نشعر بالخوف أبدا ، بل أخرجنا جواز سفرنا الذي حصلنا عليه من باشا حلب وقاضيها وأريناه إياه ، وإذ تطلع فيه مليّا تأكد لديه أن ليس في مقدوره أن يتصرف تصرفا سيئا إزاءنا ، وعندئذ ابتعد عنا ساخطا ، وشرع يخاصم تجار السفينتين سوية ويطالبهم بدفع ضريبة كبيرة ضجوا بالشكوى المرة منها ، لكنه استمر في مطالبته ولم يقبل بأية شروط معقولة ، بل أكثر من هذا حمل مجاديف السفن معه ليحول بذلك دون سفرنا وليضغط علينا لتلبية طلبه.