في النهر. ولذلك كتب الباشا إلى أمير اللواء الذي في جهتنا ، وأمره ـ مهددا إياه بالإعدام ـ بأن يتخذ كل الإجراءات التي تكفل عدم احتجازنا طويلا ، وأن يقبض على موظف الكمرك ويبعث به مخفورا إلى اسطنبول ليقدم إلى المحاكمة التي تعقد مرة واحدة كل خمسة عشر يوما.
ولقد خشي الموظف كثيرا مما سمعه لأنه قد يدفع حياته ثمنا لجريمته معنا.
وفي الوقت الذي بقينا فيه محتجزين كالأسرى على ضفة نهر «بابل» (١) ونحن ننتظر بفارغ الصبر ساعة إطلاق سراحنا ، غادر شيخ البادية وحاشيته من هناك في اليوم الحادي والعشرين من أيلول متجها إلى الجنوب في أعداد كبيرة من رجاله ، بحثا عن مرعى أفضل لمواشيه وخيله وإبله ودوابه ، يعوض به عن مكانه السابق والذي لا يوجد فيه الكثير من القرى والأسواق التي قد يقيمون فيها طويلا. كما أن هؤلاء الأعراب لا يرغبون في الاشتغال في الزراعة ، ولا في التجارة ، بل يكتفون بقدر كبير من الماشية والمزيد من الأعشاب لإطعامها والقيام بأودها. ولذلك تراهم حين يصلون إلى جدول تنمو عنده الحشائش والأدغال يسارعون إلى إقامة خيامهم على مقربة منه ويمكثون هناك إلى أن تضطرهم الحاجة إلى الرحيل والبحث عن مكان آخر غيره.
وعند الرحيل يأخذ الأعراب معهم كل رجالهم ونسائهم ومواشيهم وحاجياتهم حسبما شاهدتهم على تلك الحالة في هذا الوقت حين أقبلوا على هذه المدينة بأعداد كبيرة ، الأمر الذي دفع بالأتراك إلى أن يغلقوا أبوابهم طيلة أربعة أيام ، حتى انتهى مرور أولئك الأعراب بالمدينة. وكنت أراهم وهم على ظهور الخيل مسلحين بالرماح والسيوف والقسي وغيرها. وهم يفعلون ذلك نفسه حين يمتطون ظهور الإبل التي يملكون
__________________
(١) يقصد به المؤلف نهر الفرات على اعتبار أن بابل الشهيرة تقع عليه.