فارس والجزيرة العربية لكنني لم أعرف المكان الذي وقعت فيه هذه المعارك ، لأن الأتراك يعمدون إلى إخفاء ما يعانونه من إصابات بحيث لا يسمع بها أحد بأية وسيلة. أما إذا كانوا هم المنتصرون فلا يظلون صامتين بل ينشرون أنباء انتصارهم على نطاق واسع.
ولنقصر الحديث على بغداد فنقول إنني وجدت فيها عددا كبيرا من المرضى والعرج ، وإنك لا تدهش أن تجد مثل ذلك العدد الكبير من العرج الذين يتجولون في الشوارع. ومع كل ذلك فلم يستطع ملك فارس أن يربح الحرب في النهاية ، أو أن يقدم على إثارة حرب جديدة ومن مسافة نائية ، لأن موارده ليست كبيرة بالدرجة التي تمكنه من تعبئة اللوازم والمؤن وتهيئتها لجنده وموظفيه ، كما أنه لا يستطيع في وقت الحرب أن يدفع لهم مرتباتهم مثلما يفعل ذلك أيام السلم ، لأن رعاياه معفوون من كل الرسوم والضرائب طبقا للامتيازات القديمة ، ولأنهم لا يتسلحون للدفاع عن أنفسهم إلا حين يدعوهم الملك للذود عن بلادهم وأملاكهم ضد هجوم يوجهه الأعداء نحوهم.
حين كنت اسأل أكثر من شخص واحد عما إذا كان من الأوفق لنا ، أنا ورفيقي ، أن نسافر بطريق النهر إلى «هرمز» أم بطريق البر عبر بلاد فارس إلى الهند ، لم نكن نفكر في شيء سوى أن نبدأ سفرتنا ونمضي قدما. وحين كنت أفكر في ذلك وصلتني فجأة رسالة استدعيت بها للعودة إلى حلب ، الأمر الذي زاد في قلقي كثيرا ولا سيما حين أعدت في ذاكرتي مرأى القفار والصحاري التي قطعتها إلى أن بلغت المدن الشرقية التي تستحق المشاهدة فعلا.
وعلى هذا ، وبعد أن قلبت الأمر مليّا ، اتفقت مع رفيقي على أن يواصل هو رحلته ، بينما ينبغي علي أنا ، وبسبب الرسالة التي تلقيتها وليس لي عائق سواها ، أن أعود ثانية ، وقد زودته بكل ما يحتاج إليه من