ومع أننا كنا الآن نسير في مناطق خطرة إلا أننا ، والحمد لله لم نصادف أي خطر ، ولذلك لم نتوقف عن المسير إلى أن بلغنا ليلة الحادي والعشرين من كانون الأول قرية (شلب) (١) فأمضينا الليلة فيها ومن هناك واصلنا سيرنا في أودية خصبة لكننا لم نجد فيها نباتا لأنها كانت قد حرثت مؤخرا فلم يظهر الزرع فيها بعد. ولقد مررنا في طريقنا هذا بجملة من القرى وبذلك تهيأت لنا فرص حسنة للتزود بما نحتاج إليه من هذه القرى.
في ليلة الثالث والعشرين من الشهر وصلنا إلى إحدى القرى التي استطعنا أن نشتري منها مائة بيضة بمبلغ «بنسين» (٢).
وفي صباح اليوم التالي نهضنا مبكرين فشاهدنا أمامنا جبال (طور) (٣) كساها الثلج وهي تمتد إلى الشرق من الشمال حتى الجنوب مسافات شاسعة. ثم واصلنا مسيرتنا حتى وصلنا ، في وقت قصير ومبكر ، مدينة «طاووق» (٤) قبل أن يحل يوم السبت. وهذه المدينة ليست محصنة
__________________
(١) سماها راوولف باسم (شلب) Schilb وتقديرنا لموقع هذه القرية أنها لا بد أن تكون «هبهب» وربما كان الاسم القديم لهذه البلدة مقاربا للاسم الذي أعطاه راوولف لها هنا وإن كانت هبهب لم تذكر في كتب البلدانيين العرب مما يدل على حداثة تاريخها.
(٢) البنسان حسب السعر القديم يعادلان تسعة فلوس بالعملة العراقية الحالية وهذا يعني أن كل عشر بيضات كانت تباع بأقل من الفلس الواحد ولا يستغرب القارىء هذا القول ويعده ضربا من الخيال ذلك لأن أهل القرى قبلا لا يجدون أحدا يشتري البيض أو الدجاج منهم ولذلك فهذه المنتجات لا قيمة لها عندهم وهي رخيصة بالشكل الذي ذكره راوولف هنا.
(٣) أخطأ المؤلف في تسمية هذه الجبال باسم «طور» فهي في الحقيقة جبال «قره داغ» التي تمتد من جدول «داقوق صو» حتى نهر ديالى.
(٤) طاووق من الأقضية التابعة للواء كركوك وقد عرفت في المصادر العربية باسم داقوق و «دقوقا» وهي تقع جنوبي كركوك بثمانية وأربعين كيلو مترا وعلى مقربة منها مزار