تقديم اللحوم والشراب لنا. ذلك لأننا ما إن أقلبنا عليهم حتى أسرع رب البيت بالخروج من خيمته بجمع الأحطاب الجافة لشي اللحم بها.
ولم تكن النسوة خاملات ، فقد أسرعن بتقديم اللبن والبيض لنا ، بينما شرع غيرهن في عجن الطحين لتهيئة الخبز وذلك بصنعه على شكل أقراص سمك الواحد منها سمك الأصبع ومن ثم إلقاؤه على أحجار ساخنة وتقليبه فوقها وتغطيته بأحجار ساخنة أخرى إلى أن ينضج.
وهذه الطريقة في صنع الخبز ليست حديثة العهد فلقد اعتادها القدامى من السكان حيث نجد ذلك مذكورا في المدونات القديمة. فنحن نقرأ في الإصحاح الثامن عشر من «سفر الخليقة» كيف أن «سارة سارعت إلى صنع الخبز حين أقبل ثلاثة رجال على إبراهيم».
تحركنا من هذا الموضع ظهيرة يوم الثلاثين من كانون الأول فوصلنا إلى مدينة تدعى «برستا» (١) على مقربة من النهر القائم هناك ، وهي محصنة تحصينا جيدا ، لكنني لم أعرف الاسم الذي يطلقه السكان على ذلك النهر ، ولكن طبقا لموقعه لا بد أن يكون هو النهر الذي أطلق عليه «بطليموس» اسم «غورغوس» (٢) والذي يصب في دجلة.
وفي هذه الأماكن تصنع الأرماث وهي وإن لم تكن كثيرة جدّا ولا توجد أخشاب كثيرة فيها ، إلا أنها تحوي عددا وافرا من جلود الماعز
__________________
(١) برستاPresta هي مدينة ألتون كوبري الحالية التي بناها السلطان مراد الرابع أثناء حملته على العراق سنة ١٦٢٩ م وكلمة برستا محرفة عن كلمة «بردى» الكردية وتعني «الجسر».
(٢) غورغوس Gorgus هو الاسم الذي أطلقه الجغرافي اليوناني الشهير بطليموس على نهر الزاب الصغير الذي تقع عليه مدينة ألتون كوبري ، أي «قنطرة الذهب» ، و «الزاب» هو أقدم اسم لنهري الزاب الكبير والصغير معا إذ ورد ذكرهما بهذا الاسم في النصوص الآشورية حوالي سنة ١٢٥٠ ق. م.