وصلنا ليلا إلى مدينة ذات سوق واسعة هي مدينة (قره قوش) (١) فأقمنا خيامنا على مقربة منها.
وهذه المدينة يسكنها (الأرمن) (٢) الذين استطعنا في الحال أن نميزهم من تغير لغتهم وعاداتهم ، وقد استقبلونا بترحاب متزايد ، وأعدوا لنا كل ما كنا نحتاج إليه.
وبعد أن استرحنا في المدينة حتى المساء غادرناها حين حل الظلام. وكانت حلكة الليل شديدة إلى درجة أننا كنا فيها نسمع أصوات قوافل تمر بنا ، دون أن نراها ، أو نعرف كثرتها ، أو المكان الذي أقبلت منه.
وحين طلع علينا النهار وصلنا إلى نهر كبير يسميه السكان «كلك» (٣) ، إن لم أكن قد أخطأت في ذلك ، بينما يدعوه بطليموس باسم «ليكوس» (٤).
كان ذلك النهر يعترض طريقنا ، وكان عريضا يبلغ عرضه زهاء الميل (٥) ، ولم يكن من اليسير عبوره دون التعرض إلى الخطر ، وذلك أمر
__________________
(١) قره قوش Carcuschy تبعد شرقي الموصل بحوالي ثلاثة وثلاثين كيلو مترا ومعناها في اللغة التركية «الطائر الأسود» ولكن اسمها القديم هو «باخديدا» وهي الآن مركز ناحية «الحمدانية» التي حل اسمها مكان قره قوش.
(٢) الظاهر أن المؤلف قصد بكلمة (الأرمن) هنا «الأراميين» لأن الأراميين أو الكلدانيين هم الذين يؤلفون الأكثرية من السكان في مدينة قره قوش وبقية القرى المسيحية الأخرى الواقعة شرقي الموصل.
(٣) ليست كلك (التي ذكرها المؤلف باسم كلنك (Kling نهرا ، وإنما هي ناحية صغيرة على نهر الزاب الكبير وتعرف باسم «اسكي كلك».
(٤) ليكوس Lecus تسمية أخرى لنهر الزاب الكبير عند اليونان.
(٥) ليس نهر الزاب الكبير على مثل هذا العرض الذي ذكره المؤلف وقد يفيض في أوقات الفيضان على المناطق الواطئة المحيطة به فيصبح عريضا ولكن لا يبلغ عرضه ميلا قط.