يعرفه الأكراد جيدا ، في ذات الوقت الذي كنا نحن نشعر فيه بالخوف من أولئك الأكراد أنفسهم ، ومع ذلك فقد وجدنا بين جماعتنا ممن سبق لهم عبور ذلك النهر وهكذا غامرنا في عبوره فاندفعنا إليه وعبرناه وخرجنا منه سالمين بفضل الله ، خلا حمار واحد جرفه تيار النهر القوي فأغرقه.
في صباح اليوم السابع من كانون الثاني ١٥٧٥ م وصلنا إلى نهر دجلة مرة أخرى لندخل مدينة «الموصل» الشهيرة التي تقع على هذا الجانب (١) من النهر فوق جسر مصنوع من الزوارق.
وفي المدينة بعض الشوارع والأبنية الجميلة الجيدة. وهي واسعة نوعا ما لكن أسوارها وخنادقها ضعيفة ، كما لا حظت ذلك من سطح النزل الذي حللنا فيه والذي يمتد إلى المدينة ذاتها.
كذلك شاهدت في خارج المدينة تلّا حفر معظمه يسكنه الفقراء من الناس وقد رأيتهم عدة مرات يزحفون إليه ويخرجون منه مثلما يزحف النمل إلى تلاله ويخرج منها (٢) وفي هذا المكان كانت تقوم قبلا مدينة «نينوى» ذات القوة والبأس التي بناها «آشور» منذ عهد الملكية الأولى حتى عهد سنحاريب وأبنائه (٣).
__________________
(١) يقصد به الضفة الشرقية من نهر دجلة والتي تقوم فيها خرائب نينوى وقرية النبي يونس قبل أن يمتد العمران إليها مؤخرا.
(٢) هذا التل هو المعروف باسم «تل التوبة» والذي يقوم عنده قبر النبي يونس ومسجده في الجانب الشرقي من الموصل وهو جزء من مدينة نينوى ، وفي هذا الموضع دعا النبي يونس أهل نينوى أن يكفوا عن المعاصي ويتوبوا فسمي ذلك الموضع باسم تل التوبة.
(٣) لا يعرف على وجه التأكيد اسم الملك الذي بنى نينوى فقد دلت التحريات أنها كانت قرية في عصور ما قبل التاريخ وأن اسمها سومري الأصل وكانت من مراكز الأموريين قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة وقد قام «شمش حدد الأول» الذي حكم آشور في القرن الثاني عشر قبل الميلاد بتجديد معبد أقامه «مانشستو» أحد ملوك