كان طول نينوى يبلغ مسيرة ثلاثة أيام. ولقد قرأنا أن النبي «يونس» عند ما جاءه أمر الله وراح يدعو سكان المدينة إلى التوبة استطاع أن يدخلها في يوم واحد ، ولذلك أصغى الناس بشوق إلى مواعظه فتحسنت حياتهم ، لكنهم لم يستمروا في التوبة طويلا ، وعادوا إلى مفاسدهم السابقة وإذ ذاك حل بهم الدمار والخراب مما تنبأ لهم به كل من النبي «ناحوم» (١) والنبي صفنيا (٢) وكذلك التقي الورع «طوبيا» الذي كان آنذاك في المدينة ولم يمكث فيها طويلا.
ومع ذلك تم بناء الموصل مجددا فيما بعد ، وعانت الكثير بسبب تبدل الحكومات التي استولى عليها «تيمور لنك» (٣) في النهاية بهجوم عاصف فأحرقها وحولها إلى رماد ، إلى درجة أن النباتات والأشجار نمت فوقها بعد مدة قليلة. ولذلك لا ترى في الوقت الحاضر ، أية آثار فيها مثلما هو عليه الأمر في «بابل» القديمة ، ولم يسلم منها سوى حصن يقوم على أحد التلال وبعض القرى القليلة التي كانت تعود إلى الأيام الخوالي
__________________
«أكد» وازدهرت المدينة في عهد آشور ناصر بال وابنه شلمناصر وكذلك في عهد سرجون وأسرحدون وسنحاريب. ويقول العالم الأثري الإنكليزي هنري رولنصون أن مساحة نينوى بلغت ٢١٦ ميلا مربعا وأن عدد سكانها في عهد النبي يونس بلغ مليون ومائتي ألف نسمة.
(١) النبي ناحوم Nahum واحد من الأنبياء الاثني عشر الصغار عند اليهود وسفر ناحوم يقع في ثلاثة فصول وهو مليء بالإنذارات.
(٢) النبي صفنياZephenia من أنبياء إسرائيل الاثني عشر الصغار أيضا ويقع سفره في ثلاثة فصول.
(٣) تيمور لنك ومعناه تيمور الأعرج ويعرف عند الأجانب باسم تامرلان Tamerlane من أحفاد جنكيز خان المغولي ولد سنة ١٣٣٥ م شغل منصب الوزارة في حكومة غتمش خان ثم ثار عليه وانتزع الحكم منه. زحف على إيران واستولى عليها وعلى الأفغان وأذربيجان والعراق كما استولى على الهند وآسيا الصغرى وقد عزم على افتتاح الصين لكن المنية عاجلته قبل أن يحقق ذلك.