ويسكن نصيبين عدد كبير من الأرمن لأنها تقع في أطراف أرمينيا الواسعة ولذلك فلم نعد نشعر هنا بالخوف الذي كنا نشعر به ونحن نجتاز بلاد الأكراد!
خلال إقامتي هناك طلب إلى التاجر الأرمني الذي أشرت إليه قبلا ، ومعه أحد السادة الأتراك ، ممن كان يعطف عليّ طيلة الطريق ، ـ بعد أن سمعا من اليهود الذين معنا بأنني طبيب ـ أن أذهب معهما إلى «ديار بكر» ـ وهي مدينة تبعد مسيرة أربعة أيام وتقع على الجانب الآخر من دجلة ـ كيما أعالج بعض أقاربهما المرضى هناك وأنهما سيقدمانني إلى الباشا الصغير ابن محمد باشا ، والذي يشكو هو الآخر بعض المرض في الوقت ذاته ، مما سيعود علي بفائدة كبيرة.
ولقد تقبلت ذلك الطلب من صميم قلبي لأنه ما من شيء يسرني أكثر من أن أقدم الخدمة لذلك الأرمني بسبب عطفه ورقته.
ولما كنت قد طلبت بأن أعود إلى حلب وأن عليّ أن أحافظ على كلمتي في ذلك ، ولي فيه مصلحة مهمة ، فقد رفضت طلبهما واعتذرت عن تلبيته بكل رقة.
والباشا ـ ما خلا الباشا الوزير (١) ـ هو من بين الذين يؤلفون حاشية السلطان التركي على الدوام ، بينما يكون السلطان هو أعلى رئيس في تركيا ، وهو يحكم أقاليم أكثر سعة وثمرا من تلك التي يحكمها باشا بغداد من أمثال آشور والعراق وأجزاء واسعة من أرمينيا ومنطقة الأكراد وغيرها مما يتاخم حدود ملك فارس.
__________________
(١) الباشا الوزير يقصد به هنا رئيس الوزراء أو ما عرف لدى الأتراك باسم «الصدر الأعظم».