بعد أن استرحنا وانتعشنا ، وانضمت إلينا جماعات أخرى من المسافرين شرعنا ليلة العشرين من شهر كانون الثاني بمسيرتنا فمررنا بعدد من القرى والحقول المحروثة ، وتحدثنا إلى السكان فيها بما تعلمناه من الأرمنية والتركية والعربية ، تلك اللغات التي يشيع استعمالها في تلك البلاد.
استمر سيرنا حثيثا حتى وصلنا في اليوم الحادي والعشرين إلى مدينة (حران) (١) لنمضي يوم السبت فيها. وفي هذه المدينة وافت الأنباء بوفاة السلطان التركي (سليمان) (٢).
نهضنا في وقت مبكر من صباح اليوم الثالث والعشرين من الشهر واتخذنا سبيلا آخر نحو (أورفه) وهي مدينة أخرى قطعنا في الوصول إليها خمسة أيام. وكلما اقتربنا من جبل «طور» (٣) (الذي يفصل أرمينيا عن بلاد الرافدين من ناحية الجنوب) ازداد الطريق وعورة لكن وعورته تعاظمت في اليوم التالي ، وهكذا كلما توغلنا في الجبال وجدنا الطرق فيها ملأى بالأحجار التي أعاقت سيرنا كثيرا وقد كلل البعض من هذه الجبال بالثلوج نوعا ما (وذلك أمر لم أشاهده في هذه البلاد سوى مرتين).
وحدث أن كبا أحد خيول اليهود فتدحرج فوق الطريق ، وحين سمع اليهودي تلك الجلبة التفت إلى الوراء فوجدني واقفا بجانب الحصان وإذ ذاك تعاظم سخطه علي ، إذ ظن بأنني أنا الذي أسقطته ، فحرك قوسه
__________________
(١) ذكر المؤلف مدينة حران باسم هوشان Hochan وهي تقع على بعد أربعين كيلو مترا إلى الجنوب الشرقي من مدينة «أورفه» وتقوم على نهر البليخ.
(٢) لم يكن السلطان المتوفى يدعى سليمان بل هو السلطان سليم الثاني الذي ولد سنة ١٥٢٢ م وتولى الحكم سنة ١٥٦٦ م وتوفي سنة ١٥٧٤ م.
(٣) جبل طورTauri يراد به «طور عبدين» الذي يمتد من ماردين في الغرب إلى جزيرة ابن عمر في الشرق مارا بنصيبين وقد افتتحه العرب ما بين ١٨ ـ ١٩ ه (٦٣٩ ـ ٦٤٠ م) وكان من المراكز الأولى للمسيحية في الشرق.