السعاة التابعين للحكومة يتمتعون بامتيازات كبيرة ، إذ يحق لهم ، عند الضرورة ، أن يضعوا أيديهم على أية خيول يجدونها في المدينة أو الريف ويحتجزونها لهم. وهم في هذا لا يقيمون وزنا لأحد من الناس سوى التجار والأجانب الذين يعتذرون إليهم ، وهذا ما أدى إلى تشجيع التجارة.
أما أولئك الذين يقصدهم هؤلاء السعاة فإن عليهم أن يتخلوا عن خيولهم دون أدنى تردد ، ومن غير أن يفكر أحدهم في إحداث جلبة (كما فعل ذلك أحد أصدقائنا الذي أبى أن يفتح باب الإصطبل في الحال) مما يزيد في تعقيد المشكلة.
وحين خيل لذلك الساعي أنه حصل على خيل جيدة سرعان ما اكتشف غلطته ، ذلك لأن الخيل التي أخذها من اليهودي قد كرت راجعة إليه ، وإذ ذاك لم يسمح له اليهودي بأخذها ثانية إلا بعد أن كافأه الساعي على ذلك بصداري طفل مصنوع من القماش الهندي الفاخر.
وقد أدى هذا الأمر إلى تأخير رحلتنا يوما كاملا إلى أن استطاع المكاري الحصول على خيول أخرى في تلك المنطقة حيث استيقظنا في اليوم التالي مبكرين وواصلنا رحلتنا عبر جبال وعرة ووديان ضيقة طيلة ذلك اليوم كله إلى أن وصلنا ليلا إلى إحدى القرى التي يسكنها الأرمن.
وهؤلاء الأرمن من المسيحيين الطيبين الذين يتحمسون كثيرا لرفاقهم المسيحيين ، ويودون أن يظهروا الود والرقة تجاه الغرباء ، وهذا ما جربته عنهم غالبا ولا سيما في هذه القرية ، حيث أخذني أحد الأرمن أنا واليهود إلى بيته فمكثنا عنده حتى اليوم التالي وإذ تهيأ لي الوقت الكافي هناك دخلت معه في حديث طويل عن عقيدتنا المسيحية فكان يوافقني على ما أقول. ومع أن أحدنا لا يفهم الآخر إلا أن اليهود كانوا يقومون بمهمة الترجمة فيما بيننا ولو لا ذلك للاذ كل منا بالصمت وراح أحدنا ينظر إلى الآخر ليس إلا.