كان أهل ذلك البيت آنذاك يمارسون الصوم الكبير وقد عرفت ذلك من قلة الأنواع التي يتألف طعامهم منها (لأنهم لا يتناولون سوى الأطعمة النباتية والخبز والماء).
وبعد أن وضع صاحب البيت أمامنا بعض البيض المسلوق في تلك الليلة أقبلت عليه مندفعا لأنني كنت جائعا جدّا ، ولم أكن أتصور أنهم يتمسكون بمثل هذا التزمت والتفريق في طعامهم. ولقد دهش إذ رآني لا أمتنع عن تناول البيض فسألني ، عن طريق أحد اليهود ، عما إذا كنت لا أدرك أن تناول البيض وغيره من اللحوم محرم في هذا الصوم ، فلم أحر جوابا (ذلك لأن المسيحيين يجب أن يتحلوا بالوقار والزهد في هذا الصوم بدلا من التزمت والتفريق بين الأطعمة).
ولما لم أكن أعرف لغته فقد أجبته باختصار موضحا له أن صومنا لم يحل وقته بعد ، ولن يحين أوانه قبل مرور ثلاثة أسابيع من الآن. وذلك أمر لم يرض به قط.
استأنفنا مسيرتنا في اليوم الثاني والعشرين من كانون الثاني فسرنا وسط جبال شامخة وعرة المسالك مليئة بالأدغال وقد اجتزناها قبل أن يحل الظلام حيث نزلنا في القرية التالية التي كانت تقع على ربوة في أحد السهول وقد مكثنا فيها اليوم التالي كله لأن كان يوم السبت.
فاتني أن أذكر أن اليهود خشوا أن تؤخذ منهم خيولهم ، كما حدث لهم ذلك قبل بضعة أيام ، ولهذا كانوا غالبا ما يسلمونني تلك الخيول لأقودها بنفسي وكأنني أنا صاحبها ، وكانوا يأملون الحفاظ عليها بهذه الوسيلة وهكذا ففي الوقت الذي كان فيه أولئك اليهود بمثابة أدلاء لي ، كنت أنا في الوقت ذاته حاميهم.
بعد أن اجتزنا جبالا هائلة ومسالك وعرة وصلنا إلى واد خصب