القراءة والكتابة باللغة العربية ، وهذه حروفها واحدة بالنسبة للعرب وللأتراك وإن كانت لغاتهم متباينة تماما.
وما خلا ذلك توجد مدارس أخرى يدرس فيها الشبان القوانين التي يسنها السلطان ولذلك سرعان ما يطلب إلى هؤلاء الذين يستمرون في دراسة هذه القوانين أن يتولوا المناصب من أمثال القاضي وقاضي الشرع.
أما بالنظر إلى العلوم والفنون الحرة التي نتعلمها نحن في بلادنا فإنهم لا يقبلون على تعلمها ، ولذلك فإن من يعرف هذه العلوم والفنون لا ينعدم وجوده بينهم حسب بل إنهم يعتبرون تعلمها خرافة ومضيعة للوقت (١) ، في حين نراهم يتعشقون الأغاني القديمة والأشعار التي تتحدث عن أخلاق سلاطينهم القدامى وعظمتهم وغيرهم من الأبطال. كما أنهم يحبون القصص الخيالية التي تحط من منزلة الأمم الأجنبية أو أية أمة معادية لهم. وهكذا تجدهم ينهمكون في إنشاد الأغاني والاستماع إلى من ينشدها والتي يكررونها كل يوم بأساليب خاصة ، خارج المدينة وفي الأماكن المخضوضرة التي يمارسون فيها الكثير من المتع الأخرى كالغناء والرقص والنط وما شاكل ذلك. ولهذا نراهم يقبلون على قراءة مثل هذه الأشياء التافهة بدلا من العلوم والفنون التي لا يأبهون بها ولا بأمثالها من الأعمال النبيلة ، من أمثال طبع الكتب التي يتعلمونها والتي يتشوق إليها الكتبة جدّا ، ممن يقل عددهم أو يزيد في مدينة عن أخرى.
__________________
(١) يبدو أن جهل الرحالة بالمدينة الإسلامية الزاهرة وسطوع أنوارها في أوروبا التي كانت غارقة في الظلام ، هو الذي جره إلى هذا القول المهجور ففي الوقت الذي كانت تقوم فيه الجامعات الإسلامية في الأندلس والمغرب ومصر والعراق وغيرها من ديار الإسلام ، كان حتى ملوك أوروبا في ذلك الوقت لا يعرفون كتابة أسمائهم وذلك بشهادة المنصفين من مؤرخي الغرب. والحقيقة أن المدنية الإسلامية كانت المصدر الأول للحضارة الغربية الراهنة وأن أوروبا لم تستيقظ من سباتها العميق إلا بنفحات الحضارة الإسلامية التي عمت معظم أرجائها.