وقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلّى عليه ثم قال : « إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش المرعى ، إلاّ ترون إلى الحقّ لا يعمل به ؟ وإلى الباطل لا ينهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقاً ، فأنا لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً ».
فقال زهير بن القين : نعم قد سمعنا ، هدانا الله بك يا ابن رسول الله ، فنحن مقاتلوا مقاتلك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا ذلك على النهوض معك.
فقام هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا لعلى نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك.
قال : وقام بُرير بن خضير فقال : يا ابن رسول الله ، لقد منّ الله بك علينا لنقاتل معك وتقطّع أعضاؤنا بين يديك ، ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة.
ثمّ إن الحسين عليهالسلام ركب وأراد المسير والحرّ يمانعه حتّى ورد كربلاء ، وكان ذلك يوم الثاني من المحرم ، فلما وصلها سأل عن اسم المكان فقال له : كربلاء.
فقال : « انزلوا ، هاهنا والله محطّ رحالنا وسفك دمائنا ، هاهنا والله محلّ قبورنا ، هاهنا والله تُسبى حريمنا ، بهذا وعدني (١) جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ». ونزل الحرّ معه في ساعة واحدة (٢).
__________________
ورواه الخوارزمي في المقتل : ص ٢٣٤ في الفصل ١١.
(١) في النسخة : « أوعدني » ، وفي الملهوف : « حدّثني ».
(٢) ورواه السيّد ابن طاوس في الملهوف : ص ١٣٨ مع اختلافات لفظية.
وروى قسماً منه الطبري في تاريخه : ٥ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، والطبراني في المعجم الكبير : ٣ : ١١٤ ـ ١١٥ / ٢٨٤٢ ، ومن طريقه ابن عساكر في ترجمة الحسين عليهالسلام : (٢٧١) والخوارزمي في مقتل الحسين عليهالسلام : ٢ : ٤ ـ ٥ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء : ٢ : ٣٩ ، والسيّد أبو طالب في تيسير المطالب : ص ٩١ باب ٦ ، ويحيى بن الحسين الشجري في أماليه : ١ :