دخل رحله (١).
ولمّا كان في آخر الليل أمر مناديه بالاستسقاء من الماء ، ثمّ أمر بالرحيل ، فارتحل من قصر بني مقاتل ، فلمّا أصبح نزل بهم وصلّى الغداة ، ثمّ عجّل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه فعارضه الحرّ وأصحابه ، ومنعوه من المسير ، فقال : « ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق » ؟ فقال الحرّ : بلى ، ولكن كتاب الأمير عبيد الله وصل إلَيّ يأمرني بالتضييق عليك ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ أمره فيكم.
فنظر يزيد بن مهاجر الكندي إلى رسول ابن زياد ـ لعنه الله ـ فعرفه ، فقال له : ثكلتك أمّك ، ماذا جئت فيه ؟ فقال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي.
فقال له : بل عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسبت العار والنار ، فبئس الإمام إمامك ، قال الله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ ) (٢) ، فإمامك منهم.
فأخذهم الحرّ بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا كلاء ، فقال له الحسين عليهالسلام : « ويحك ، دعنا ننزل هذه القرية » ، يعني نينوى أو الغاضريات.
فقال له الحرّ : لا والله لا أستطيع إلى ذلك من سبيل ، هذا رجل قد بُعث عَلَيّ عيناً.
فقال زهير بن القين للحسين عليهالسلام : والله لا ترون شيئاً بعد الآن إلاّ كان أشدّ ممّا ترون الآن ، يا ابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتي من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا طاقة لنا به.
فقال له الحسين : « ما كنت لأبدأهم بالقتال ». ثمّ نزل (٣).
__________________
(١) ورواه المفيد في الإرشاد : ٢ : ٨١ ، وعنه المجلسي في البحار : ٤٤ : ٣٧٩.
ورواه الخوارزمي في المقتل : ص ٢٧٧ في الفصل ١١ مع إضافات.
(٢) سورة القصص : ٢٨ : ٤١.
(٣) ورواه المفيد في الإرشاد : ٢ : ٨٢ ـ ٨٤ مع مغايرات لفظية ، وعنه في البحار : ٤٤ : ٣٨٠.