كرب ، وأنت لي في كلّ أمرٍ نزل بي ثقة وعدّة ، [ إلهي ] كم من كرب يضعف عنه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت به العدوّ ، أنزلته بك ، وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عن من سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة ، وصاحب كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة ».
وأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين عليهالسلام فيرون النار تتقد في الخندق في ظهر البيوت ، فنادى الشمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين ، ويا أصحاب حسين ، استعجلت بالنار قبل يوم القيامة.
فقال الحسين عليهالسلام : « من هذا كأنّه شمر بن ذي الجوشن ». ثمّ قال الحسين له : « يا ابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّاً ».
ورام مسلم بن عوسجة يرميه بسهم فمنعه الحسين عليهالسلام من ذلك ، فقال له : « دعني أرميه ، فإنّه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين وقد أمكن الله منه ».
فقال الحسين عليهالسلام : « إنّي أكره أن أبدأهم بقتال ».
ثمّ إنّه عليهالسلام صف أصحابه ورتّبهم ميمنةً وميسرة في مراتبهم ، فجعل ابنه عليّ بن الحسين في ميمنته ، وحبيب بن مظاهر في ميسرته ، وزهير في جناحه الأيمن ، ومسلم بن عوسجة في جناحه الأيسر ، ووقف هو في القلب ، وأعطى رايته أخاه العبّاس (٢).
ثمّ إنّه تقدّم قبالة القوم ونظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل ، فقال : « الحمد لله الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصّرفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته والشقيّ من فتنته ، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها
__________________
(١) انظر الإرشاد : ٢ : ٩٦ ، وتاريخ الطبري : ٥ : ٤٢٣.
(٢) في الإرشاد للمفيد : ٢ : ٩٥ ، وتاريخ الطبري : ٥ : ٤٢٢ ، والمقتل للخوارزمي : ٢ : ٤ : « فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العبّاس بن علي أخاه ... ».