يرتجز ويقول :
أنا علي بن الحسين بن علي |
|
من عصبة جدّ أبيهم النبيّ |
والله لا يحكم فينا ابن الدعّي |
|
أطعنكم بالرمح حتّى ينثني |
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي |
|
ضرب غلام هاشمي علوي |
فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ الناس لكثرة من قتل منهم ، حتّى روي أنّه قتل على ما هو فيه من العطش مئتين وعشرين رجلاً ، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبت ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من الماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء ؟
فبكى الحسين عليهالسلام وقال : « وا غوثاه ، يا بُني قاتل قليلاً فما أسرع أن تلقى جدّك محمّدا صلىاللهعليهوآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً ».
ثمّ قال : « يعزّ على محمّد وعليّ أن تدعوهما فلا يجيبوك ، وتستغيث بهما فلا يغيثوك ، يا بُني ، هات لسانك ».
فأخذ لسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه وقال : « أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوّك ». فرجع إلى القتال وشدّ على الرجال وهو يقول :
الحرب قد بانت لها الحقائق |
|
وظهرت من بعدها المصادق |
والله ربّ العرض لا نفارق |
|
جموعكم أو تغمد البوارق |
فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام ثلاث مئة ، ثمّ ضربه مرّة من منقذ العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته وتناوشه الناس بأسيافهم ، ثمّ إنّه اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بأسيافهم إرباً إرباً ، فلمّا بلغت روحه التراقي نادى رافعاً صوته : « يا أبتاه ، هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل العجل ، فإنّ لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة ».
فصاح الحسين عليهالسلام وقال : « قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا ».