بودق النوال ، وكم لهم من ألسن تنبئ عن ذي الجلال ، وأقلام حكمة برتها أيدي الكبير المتعال ، وعلوم لم تحط بها قلوب الرجال ، قد استعذب منها الرحيق الزلال ، وفاض منها العذب السلسال.
فهم والله الفيوض السجّال ، وهم علل الوجود في القدم والأزال ، وهم المميّزون بين الحرام والحلال ، صلوات الله وسلامه عليهم على ممرّ الأيّام والليال.
روي في كتاب كشف الغمّة عن علي بن أبي حمزة البطائني قال : خرج أبو الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام في بعض الأيّام [ من المدينة ] إلى ضيعة له خارجة عن المدينة فصحبته وكان عليهالسلام راكباً على بغلة وأنا على حمار [ لي ] ، فلمّا صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت أنا عنه [ خوفاً ] وأقدم أبو الحسن عليهالسلام [ غير مكترث به ، فرأيت الأسد يتذلّل لأبي الحسن ويهمهم ، فوقف له أبو الحسن عليهالسلام ] عليه كالمصغى [ إلى همهمته ] ، فوضع الأسد يده على كفل بغلته ، فرعبت نفسي من ذلك رعباً عظيماً ، فمكثت هنيئة ثمّ تنحّى عن الطريق ، فحوّل أبو الحسن عليهالسلام وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ، فحرّك شفتيه بما لم أفهم ، ثمّ أومأ بيده إلى الأسد أن امض ، فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن عليهالسلام يقول : « آمين آمين » ، فانصرف الأسد حتّى غاب عنّا ، ومضى أبو الحسن عليهالسلام لوجهه ، فلمّا بعدنا عن الموضع قلت له جعلت فداك ، ما شأن هذا الأسد ؟ فقد خفت منه والله عليك ، وعجبت من شأنك معه !
قال أبو الحسن عليهالسلام : « إنّه خرج يشكو إلَيّ عسر ولادة لبوته (١) وسألني أن أسأل الله [ تعالى ] أن يفرّج عنها ففعلت [ ذلك ] ، فألقى الله في روعي أنّها تلد [ له ] ذكراً فخبّرته بذلك ، فقال لي : امض في حفظ الله ، فلا سلّط الله عليك ولا على ذريّتك ولا على [ أحد من ] شيعتك شيئاً من السباع ، فقلت آمين » (٢).
__________________
(١) في المصدر : « عسر الولادة على لبوته ».
(٢) كشف الغمة : ٣ : ١٧ مع اختلاف في الألفاظ ، وما بين المعقوفات منه.