على جهل وخرق منكم ، فزعمتم أنّ محمّداً لصبور (١) والعرب قاطبة تبغضه ولا طالب له بثاره ، وزعمت أنّك قاتله ، وكان في قومك مؤونته ، فحملت نفسك على ذلك ، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله ، فعسر عليك مسلكك وعمي عليك بصرك ، وأبيت إلاّ ذلك ، فأتينا خوفاً من أن يشتهر أمرك ، وإنّك إنّما جئتنا بخير يراد بك.
وأنبّئك عن سفرك ، خرجت في ليلة طخياء إذ عصفت ريح شديدة اشتدّ منها ظلماؤها وأظلمت سماؤها وأعصر سحابها ، فبقيت مُحر نجماً كالأشقر إن تقدّم نحر وإن تأخّر عقر ، لا تسمع لواطي حسّاً ولا لنافخ نار جرساً ، تراكمت عليك غيومها ، وتوارت عنك نجومها ، فلا تهتدي بنجم طالع ، ولا بعلم لامع ، تقطع محجة ، وتهبط لجّة ، في ديمومة قفر ، بعيدة العقر ، مجحّفة بالسفر ، إذا علوت مصعداً ازددت بعداً ، الريح تخطفك ، والشوك تخبطك ، في ريح عاصف ، وبرق خاطف ، قد أوحشك آكامها ، وقطعتك سلامها ، فأبصرت فإذا أنت عندنا ، فقرّت عينك وظهر دينك (٢) ، وذهب أنينك ».
قال : من أين قلت يا غلام هذا ، كأنّك قد كشفت عن سوائد قلبي ، ولقد كنت كأنّك شاهدتني ، وما خفي عليك شيء من أمري ، وكأنه علم الغيب !
ثمّ قال له : وما الإسلام ؟
فقال الحسن عليهالسلام : « الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ».
فأسلم وحسن إسلامه ، وعلّمه رسول الله صلىاللهعليهوآله شيئاً من القرآن ، فقال : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي فأعرّفهم ذلك ، فأذن له ، فانصرف ورجع ومعه من
__________________
(١) لعل الصحيح : « لصنبور » ، والصنبور بمعنى الأبتر ومن لا عقب له ، وأصل الصنبور سعفة تنبت في جذع النخلة لا في الأرض ، وقيل : هي النخلة المنفردة الّتي يدقّ أسفلها. أراد أنّه إذا قطع انقطع ذكره كما يذهب أثر الصنبور ، لأنّه لا عقبل له. ( هامش العدد القويّة ).
(٢) في العدد القوية : « رينك ».