الحسن عليهالسلام من ذلك أيّاماً وشافاه الله تعالى ، فأرسل الملعون كتاباً إلى معاوية وذكر فيه أنّ قد سقيت الحسن السمّ ثلاث مرّات فلم يؤثر فيه ، وإنّي انتظر أمرك ، فأرسل له في المرّة الثالثة قارورة مملوءة من السمّ القتّال ، وكتب له في ظهر المكتوب : أيّها الصاحب الوفيّ ، قد أرسلنا لك سماً لو وضع منه قطرة في البحر المحيط لهلك جميع الحيتان ، فاجتهد أن تعطيه شيئاً منه.
وكم له معه من الغوائل التي قد تناقلتها الأواخر والأوائل ، وكم لاقى منه من العناء القاتل ، والمبالغة في إطفاء هذا النور المضيء والسحاب الهاطل ، ولا لوم عليه في ذلك ، فإنّ قبح عنصره الماحل المنطوي على أعظم القبائح والرذائل قد انهله هذه المناهل.
روى السيّد المرتضى في كتاب عيون المعجزات (١) بعض الروايات المرسلة عن الأئمّة الهداة أنّ سبب مفارقة أبي محمّد الحسن عليهالسلام دار الدنيا وانتقاله إلى دار الكرامات (٢) أنّ معاوية بذل لجعيدة بنت الأشعث ما بذل من عشرة آلاف دينار وقطعات (٣) كثيرة من شعاب سورا وحمل لها (٤) ذلك السمّ القاتل ، فجعلته في طعام ، فجاء وهو صائم مقبلاً للإفطار ، فلما وضعته بين يديه قال : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله على لقاء سيد المرسلين ، وأبي سيّد الوصيين ، وأمي سيّدة نساء العالمين ، وعمّي جعفر الطيار في الجنة ، وحمزة سيد الشهداء » (٥).
__________________
(١) بل الكتاب للشيخ حسين عبد الوهاب من علماء القرن الخامس.
(٢) في المصدر « الكرامة ».
(٣) في المصدر : « قطاعات ».
(٤) في المصدر : « من شعب سور وسوار الكوفة وحمل إليها ».
(٥) رواه الشيخ حسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات : ص ٦٨ ، وعنه المجلسي في البحار : ٤٤ : ١٤٠ ح ٧.
وروى القسم الأوّل منه ابن شهر آشوب في المناقب : ٤ : ٣٤ في عنوان : « فصل في تواريخه وأحواله عليهالسلام ».