تقول : خلفة وخلف وخربة وخرب ، وإنما أراد سيبويه أن يبين الاسم والفعل والحرف ، وهي جمع ، فأراد أن يعبر عنها بأشكل الألفاظ بها وأشبهها بحقيقتها ، ولم يقل" الكلمات" ؛ لأنها جمع مثل الكلم. والكلم أخف منها في اللفظ ، فاكتفى بالأخف عن الأثقل ، إذ لم يكن في أحدهما مزية على الآخر.
ووجه ثان : أن الكلم اسم ذات الشيء ، والكلام اسم الفعل المصرّف من الكلم ، كما أن النعل الملبوسة اسم ذات الملبوس ، والانتعال والتنعيل والإنعال ، وما أشبهه اسم الفعل المصرّف منها ، والفعل قبل ما صرّف منها ، فكذلك الكلم قبلما يصرّف منها ، وأقدمها في الرتبة اسم الذات ، فذكره دون اسم الحدث ، والمصدر الذي هو فرع ، ولو ذكر الكلام ، ما كان معيبا ، ولكنه اختار الأفصح الأجود لمعناه الذي أراده.
وفي ذكرنا هذا ونحوه ، والبحث عنه ، مما يدرّب به المتعلم ، وينشرح به صدر العالم.
وللسائل أن يسأل فيقول : لم قال : " الكلم من العربية" ، والكلم أعمّ من العربية ، لأنها تشملها والعجمية ، وبعض الشيء أقل من جمعه ، والذي يتصل بمن هو المبعّض لا البعض ، وهو الكثير الذي يذكر منه القليل؟ قيل له : في ذلك جوابان :
أحدهما : أنه ذكر" الكلم" التي هي شاملة على جميع موضع الكلام ، وأراد بعضها ، لأنه رائز سائغ ذكر اللفظ العام وإرادة البعض ، ثم بيّن البعض المراد ، خشية اللبس ، فكأنه لما قال : " ما الكلم" وهو مريد لبعضها خشي ألا يفهم المعنى الذي هو مراده ، فقال : " من العربية" ، تبيينا لما أراد ، وتلخيصا لما قص! ، لئلا يبقى للسائل مسألة ولا للطاعن متعلّقا ، ومثله قوله عزوجل : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(١) لما كان الرجس يقع على الأوثان وغيرها بين الذي أراد بالنهي من ضروب الرجس.
والوجه الثاني : أن يكون أراد بالكلم الاسم والفعل والحرف الذي جاء لمعنى ، وهو ما ضمنه هذا الباب الذي ترجمه به ، وهذه الجملة هي اسم وفعل وحرف ، هن بعض العربية ؛ لأن العربية جملة وتفصيل ، وليست هذه الجملة كل العربية ، والدليل على ذلك أنه ليس من أحاط علما بحقيقة الاسم والفعل والحرف أحاط علما بالعربية كلها ، والدليل
__________________
(١) سورة الحج ، آية ٣٠.