فإن قال قائل : إذا كان الفعل يعمل في المصادر ، وحكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه ، فهلا دلّكم ذلك على أن الفعل قبل المصدر؟
قيل له هذا ساقط من وجهين : أحدهما : أنه لا فعل إلا وهو عامل في اسم ، ومع هذا فالأسماء قبل الأفعال في الرتبة ، لقيامها بأنفسها ، واستغنائها عن الأفعال ، ولا يعمل اسم في فعل ، فلو كان جنس عمل العامل في المعمول فيه في غير ترتيب عمله ، يوجب أن يكون العامل قبل المعمول فيه ، لوجب أن تكون الأفعال قبل الأسماء ، ووجب من ذلك ما هو أقبح من ذلك ، وهو أن تكون الحروف قبل الأسماء والأفعال ؛ لأنها تكون عاملة في الأسماء والأفعال ، ولا يعملان فيها ، وهذا محال فاسد ؛ لأن الحروف جاءت لمعان في الأسماء والأفعال ، ولا يقمن بأنفسهن.
والوجه الثاني : أن قولنا : " ضربت ضربا" معناه أوقعت ضربا ، وفعلت ضربا كقولك : " قتلت زيدا" أعني من جهة أنهما مفعولان.
وإن كان" زيد" موجودا قبل قتلك إياه ، والضرب معدوما ، قبل إيقاعك إياه : إلا أنك تعرفه وتقصد إليه وتأمر به ، فلما كان معناها أوقعت ضربا وقد كان الضرب معقولا مقصودا إليه مذكورا ، يصح الأمر به ـ صح أنه ـ قبل إيقاعك معلوم ، فإذا صح ذلك فهو الفعل.
فإن قال قائل : إذا قلنا : " ضربت زيدا ضربا" فالمصدر تأكيد للفعل ، وإذا كان تأكيدا له فهو بعده ، وما كان بعد الشيء فالأول أصل له ، إذ كان الثاني متعلقا به.
قيل له : قد قلنا إن معنى ضربت ضربا أوقعت ضربا. وليس في ذلك دليل على أن الفعل قبل الاسم ، كما لم يكن في قولك" ضربت زيدا" ما يدل على أن زيدا بعد" ضربت" وكذلك الأسماء كلها.
ومما يدل على صحة قولنا في المصدر ، اجتماع النحويين على تلقيبه مصدرا ، والمصدر المفهوم في اللغة هو الموضع الذي يصدر عنه كقولهم : " مصدر الإبل وموردها" وللموضع الذي تصدر عنه وترده ، فعقلنا بذلك أن الفعل قد صدر عن المصدر ، حين استوجب بذلك ، أن يسمى مصدرا ، كما وصفنا في المصدر وبالله التوفيق.
وأما قوله : " وبنيت لما مضى ، ولما يكون ولم يقع ، ولما هو كائن لم ينقطع".
اعلم أن" سيبويه" ومن نحا نحوه يقسم الفعل على ثلاثة أزمنة : ماض ومستقبل