وكائن في وقت النطق وهو الزمان الذي يقال عليه الآن الفاصل بين ما مضى ويمضي.
وأما الماضي فإنه يختص مثالا واحدا والحال والمستقبل الذي ليس بأمر يختصان بناء واحدا ، إلا أن يدخل عليه حرف يخلص له الاستقبال وهو سوف والسين وأن الخفيفة.
إن طعن طاعن في هذا فقال : أخبرونا عن الحال الكائن ، أوقع وكان ، فيكون موجودا في حيز ما يقال عليه : كان ، أم لم يوجد بعد فيكون في حيز ما يقال عليه : " لم يكن"؟ فإن قلتم : هو في حيز ما يقال عليه : لم يكن ، فهو مستقبل ، وإن كان قد وقع ووجد فهو في حيز الماضي ، ولا سبيل إلى ثالث ، فدلوا على صحة هذا.
فالجواب في ذلك ـ وبالله التوفيق ـ أن الماضي هو الذي أتى عليه زمانان : أحدهما : الزمان الذي قد وجد فيه ، وزمان ثان يخبر أنه قد وجد وحدث وكان ، ونحو ذلك ، فالزمان الذي يقال : وجد الفعل فيه وحدث غير زمان وجوده ، فكل فعل صح الإخبار عن حدوثه في زمان بعد زمان حدوثه فهو فعل ماض ، والفعل المستقبل هو الذي يحدّث عن وجوده ، في زمان لم يكن فيه ولا قبله.
فقد تحصل لنا الماضي والمستقبل ، وبقى قسم ثالث ، وهو الفعل الذي يكون زمان الإخبار عن وجوده هو زمان وجوده ، وهو الذي قال سيبويه : " وما هو كائن لم ينقطع".
فإن سأل سائل فقال : أي الأفعال أقدم في الرتبة؟ فإن لأصحابه في ذلك قولين ، أحدهما : إن المستقبل أول الأفعال ، ثم الحال ، ثم الماضي ، وهذا شيء كان يذهب إليه الزجاج (١) وغيره ، والحجة فيه أن الأفعال المستقبلة تقع بها العدات ، ثم توجد بعد تقدم الميعاد وانتظار الموعود ، فيكون حالا ، ثم يأتي عليه غير زمان وجوده ، فيكون ماضيا.
والقول الثاني : إن الحال هو أول الأفعال ، ويكون الأقرب إليه في الترتيب المستقبل ، وتاليه الماضي. والحجة في ذلك أن الميعاد بما يستقبل لا يصح إلا بما عرف وشوهد ، حتى يتصوره الموعود ، ويكون على ثقة مما وعد ، وإلا فليس وراء العدة معنى يرغب فيه ولا يرهب منه ؛ لأن القلب لا يتعلق منه برغبة ولا رهبة ، ويكون المستقبل أقرب إلى الحال ، من قبل أن المستقبل يجوز مصيره إلى الحال الذي هو أول ، والماضي قد بعد ، حتى
__________________
(١) أبو إسحق إبراهيم بن السري بن سهل ، المعروف ب (الزجاج) ، توفي سنة ٣١١ ه.