أبذله وأقدمه إليه كلّه حتى يقنع به. وقوله : " عينيه" يريد : ما تراه عيناه. وأنشد سيبويه لرؤبة :
ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا (١)
ويروى : " الإضخمّا" ، و" الضّخمّا" فمن قال : " الضّخمّا" جعله على مثال : " خدبّ" و" هجفّ". ومن قال : " الإضخمّ" جعله على مثال : " إرزبّ" ، وليس الشاهد في واحد منهما ، وإنما الشاهد في" الأضخمّا" لأنه كان ينبغي أن يقول" الأضخم" مثل قولك : " الأعظم" و" الأكبر". وأنشد لحنظلة بن فاتك :
أيقن أنّ الخيل إن تلتبس به |
|
يكن لفسيل النخل بعده آبر |
أراد : " بعد هو" وهو يصف رجلا بالشجاعة والإقدام ، يريد أنه قد علم أنه إن قتل أو مات لم تتغيّر الدّنيا ، وكان للنخل من يقوم بها ويصلحها. والآبر : الملقح للنّخل.
وأنشد لرجل من باهلة :
أو معبر الظّهر ينبي عن وليّته |
|
ما حجّ ربّه في الدنيا ولا اعتمرا |
يريد : " ربّهو في الدنيا".
وهذا رجل لصّ يتمنى سرقة جمل معبر الظهر ، وهو الذي على ظهره وبر كثير ، وهو سمين لسمنه ينبي عن وليّته وهي البرذعة. وينبي عنها : يزيلها ويرفعها. وقوله : " ما حج ربّه" يريد أن صاحبه لم يحج عليه فينضيه ، فهو يتمناه في أحسن ما يكون.
وأنشد سيبويه للأعشى :
وما له من مجد تليد وما له |
|
من الرّيح فضل لا الجنوب ولا الصّبا (٢) |
أراد : " وما لهو".
ومعنى البيت أنه يهجو رجلا ويقول إنه لا خير عنده قليل ولا كثير ؛ وذلك أن الجنوب أغزر الأرواح عندهم خيرا ؛ لأنها تجمع السحاب وتلقح المطر ، والصّبا أقل الأرواح عندهم خيرا ، لأنها تقشع الغيم ، فليس لهذا المهجو خير قليل ولا كثير.
وقال بعضهم : الأرواح التي فيها الخير ونماء الأشياء : الجنوب والصّبا ، فالجنوب
__________________
(١) البيت في ملحق ديوانه ١٨٣ ، وسيبويه ١ / ١١ ، واللسان (ضخم).
(٢) البيت في ديوانه ص ٩٠ ، وسيبويه ١ / ١٢.