و" الأب" مرتفع بفعله فكأنك قلت : " ليس زيد بقائم أبوه" ، فجاز ؛ لأنه من سبب" زيد". فتأول سيبويه في البيت تأويلا أخرجه إلى مثل هذا فأجاز : " ولا قاصر عنك مأمورها". وذلك أنه جعل منهي الأمور بمنزلة الأمور ؛ إذ كان البعض قد يجوز أن يجرى مجرى ما أضيف إليه ، فجعل منهي الأمور إذ كان بعضها بمنزلة الأمور. فكأنه قال : " ليس بآتيك الأمور ، ولا قاصر عنك مأمورها" ، و" مأمورها" من سبب الأمور. وقد جعل المنهي كأنه هو الأمور ، فقد صار المأمور من سبب المنهي.
ثم استشهد لجعله منهي الأمور بمنزلة الأمور بقول جرير :
إذا بعض السّنين تعرّقتنا |
|
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (١) |
وقد مر البيت.
قال : ومثل ذلك قول النابغة الجعدي :
فليس بمعروف لنا أن نردّها |
|
صحاحا ولا مستنكرا أن تعقّرا (٢) |
الرفع والنصب في" مستنكر" مثلهما في" ولا قاصر عنك ...".
وأما الخفض على مذهب سيبويه فعلى تأويل أن يجعل الثاني من سبب الأول : وذلك أن قوله : " فليس بمعروف لنا أن نردها" يريد : ردها. أي : رد الخيل. وقبله.
وننكر يوم الرّوع ألوان خيلنا |
|
من الطّعن حتى نحسب الجون أشقرا (٣) |
فإذا قال : " فليس بمعروف لنا رد الخيل" ، جاز أن تجعل رد الخيل بمنزلة الخيل. كما قال :
(طوال الليالي أسرعت في نقضي) (٤)
والمعنى : الليالي أسرعت
__________________
(١) البيت لجرير الديوان : ٥٠٧ ، الخزانة ٢ / ١٦٧ ، سر الصناعة ١ / ١٤.
(٢) البيت للنابغة الجعدي الديوان : ٣٥ ـ ٥٩ ، الخزانة ١ / ٥١٣ ـ ٥١٤.
(٣) البيت للنابغة الجعدي : (المصدر السابق).
(٤) هذا صدر بيت وتمامه كما في الخزانة :
طوال الليالي أسرعت في نقضي |
|
أخذن بعضي وتركن بعضي |
وهو منسوب للعجاج في سيبويه ١ / ٢٦ ، منسوب للأغلب العجلي في الخزانة ٢ / ٦٨.