أكلتم أرضنا فجزرتموها |
|
فهل من قائم أو من حصيد |
ومن روى البيت بالنصب أنشد الأبيات منصوبة ، ولم يرو هذا البيت المجرور.
قال سيبويه بعد إنشاده البيت : (لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل بالمعنى ، ولم يحتج إليه لو كان نصبا ، ألا تراهم يقولون : " حسبك هذا وبحسبك هذا" فلم تغير الباء معنى ، وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء ؛ لأن" بحسبك" في موضع ابتداء).
وهذا بيّن ؛ لأن الباء إذا كانت زائدة ، فكأنها ليست في الكلام ، فجاز حمل الثاني على الأول ، وكأن الباء ليست فيه.
قال : (ومثل ذلك قول لبيد :
فإن لم تجد من دون عدنان والدا |
|
ودون معدّ فلتزعك العواذل) (١) |
وكان الوجه أن يقول : " ودون معدّ" ، عطفا على" من دون عدنان" ، ولكنه نصبه على الموضع ، كأنه قال : فإن لم تجد دون عدنان.
فإن قلت : " ما زيد على قومنا ولا عندنا" ، كان النصب في" عندنا" لا غير ، ولا يجوز" ولا عندنا" حملا على" قومنا" ؛ لأن" عند" لا يجوز أن تدخل عليها" على". لا تقول : " زيد على عندنا" ، ولا تستعمل" عند" إلا ظرفا ولا يدخل عليها من حروف الجر إلا" من".
قال : (وتقول : " أخذتنا بالجود وفوقه" ؛ لأنه ليس في كلامهم وبفوقه).
ومعنى هذا الكلام : أخذتنا السماء بالجود من المطر ، وبمطر فوق الجود ، ولم يجز جر" فوق" عطفا على" الجود" ؛ لأن العرب لا تكاد تدخل الباء على" فوق" ؛ لا يقولون : " أخذتنا بفوق الجود" إنما يقولون : " أخذتنا بمطر فوق الجود" ، ولو جررت لجاز ، وليس الاختيار. ثم أنشد بيتين في مثل معنى البيت المتقدم وهو قول كعب بن جعيل :
إلا حيّ ندماني عمير بن عامر |
|
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا (٢) |
فنصب" غدا" ، ولم يعطفه على اليوم ، كأنه قال : " إذا ما" تلاقينا اليوم أو غدا. وقال
__________________
(١) الديوان ١٣١ ق ٣٨ / ٧ ، الخزانة ١ / ٣٣٩ ، سر الصناعة ١ / ١٤٧.
(٢) الأعلم ١ / ٣٥ ـ المقتضب ٤ / ١١٢ ، ٢٥٤.