الكذب شرا له. فاكتفى بدلالة" كذب" على إظهار الكذب.
قال سيبويه : (فلو لم يكن في" ليس" ضمير الأمر ، لما جاز" ليس خلق الله مثله" ؛ لأن" ليس" و" خلق" فعلان ، والفعل لا يعمل في الفعل ، فلا بد من اسم يرتفع به. وقال حميد الأرقط :
فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم |
|
وليس كلّ النّوى تلقي المساكين) (١) |
فقوله" كل" ينتصب ب" يلقي" ، و" المساكين" يرتفع ب" يلقي" ، وفي" ليس" ضمير الأمر ، ولو لم يكن في" ليس" ضمير الأمر لارتفع" كلّ"" بليس" ، وصار" يلقي المساكين" خبر" كل" ، واحتيج إلى إضمار" كل" في" يلقي" ، فيصير التقدير : " وليس كل النوى يلقيه المساكين" ، وهو قبيح ؛ لأن حذف الهاء من الإخبار قبيح ؛ ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول : " زيد ضربت" في معنى" زيد ضربته".
قال : (ولا يحسن أن تحمل" المساكين" على" ليس" وقد قدمت. فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الآخر يلي الأول ، وهذا لا يحسن ولا يجوز).
يعني لا يجوز أن ترفع" المساكين" ، " بليس" ، وقد جعلت الذي يلي ، ليس" كل" ، وهو منصوب ب" يلقي" ؛ لأن" كان" و" ليس" وأخواتهما لا يليهن منصوب يغيرهن ، ولا يجوز أن تقول : " كانت زيدا الحمّى تأخذ" ، أو" كانت زيدا تأخذ الحمى" ، وذلك أن" كان" وبابها أن تعمل الرفع والنصب ، فلا يجوز أن يليه إلا شيء يعمل فيه أو في موضعه ، فإذا قلت : " كانت زيدا الحمى تأخذ" ، فإنما تنصب" زيدا" ب" تأخذ" لا ب" كان".
وقد احتج بعض من يجيز هذا بقول الفرزدق :
قنافذ هدّاجون حول خبائهم |
|
بما كان إيّاهم عطية عوّدا (٢) |
وهذا البيت لا حجة فيه ؛ لأنه يجوز أن يكون جعل في" كان" ضمير الأمر والشأن ، وتنصب" إياهم" ب" عوّدا" وتجعل الجملة في موضع خبر للضمير الذي في" كان" ، ويجوز أن تكون زائدة ويكون تقديره : " بما إياهم عطية عودا" ، كما يقال : " الذي إياهم عطية
__________________
(١) البيت لحميد الأرقط الأعلم ١ / ٣٥ ، ابن عقيل ١ / ١٦٢ ، وبدون نسبة في الأشموني ١ / ١١٧ ، الخزانة ٤ / ٥٨.
(٢) الخزانة ٤ / ٥٧ ، العيني ٢ / ٢٤ ، الدرر اللوامع ١ / ٨٧.