قال أبو سعيد يعني : أن فعل التعجب لا يكون إلا فعلا ، أصله قبل التعجب فعل ، كقولك : " ما أضرب زيدا ، و" أشتم عمرا للناس" ، وأصله ، ضرب وشتم ، و" ما أعلم زيدا ، وأسمعه" ، وأصله : علم وسمع. و" ما أظرف زيدا" ، وأصله : ظرف ، و" ما أعطى زيدا" ، وأصله : أعطى.
وإنما كان الفعل التعجب مما أصله هذه الأفعال لأنها تحتمل زيادة الهمزة نحو : خرج وأخرجه غيره ، وسمع وأسمعه غيره ، فلا تصح زيادة هذه الهمزة إلا في أول الأفعال الثلاثية.
وأما قولك : " ما أعطى زيدا" ، وأصله أعطى ، فإن الهمزة التي في" أعطى" قبل التعجب زائدة ؛ لأنه من" عطا يعطو" إذا تناول ، فحذفوا هذه الهمزة الزائدة فصار" عطا" ، ثم زادوا الهمزة التي للتعجب.
وأما سائر الأفعال فلا تحتمل صيغتها زيادة الهمزة في أولها نحو : انطلق ، واستغفر ، واحمر ، وقاتل ، وما أشبه ذلك.
قال سيبويه : (هذا ؛ لأنهم لم يريدوا أن يتصرف ، فجعلوا له مثالا واحدا يجري عليه).
يعني : لما لم يتصرف فعل التعجب ، جعلوا له مثالا واحدا يجري عليه ، وإن كان قد يستعمل في باب النقل غيره ، ألا ترى أنك تقول :
" عرف زيد عمرا وعرفته" ، و" علم كذا" ، " وأعلمته إياه". فالنقل قد يكون بتشديد العين. كما يكون بزيادة الهمزة في أوله ، فاختاروا زيادة الهمزة في باب التعجب ؛ لأنها أكثر في النقل.
قال سيبويه : (فشبه هذا بما ليس من الفعل ، نحو" لات" و" ما" ، وإن كان من" حسن" و" كرم" و" أعطى").
قال أبو سعيد : يعني أن فعل التعجب وإن كان مشتقا من أفعال متصرفة ، فهو غير متصرف بمنزلة" لات" و" ما" في قلة تصرفها ، وقد بينا ذلك. ونظير ذلك قول العرب للصقر" هذا أجدل" مصروف بمنزلة قولهم" هذا أفكل" والأجدل مأخوذ من الجدل وهو الشدة والفتل ، فصرفوه ولم يجعلوه بمنزلة" أحمر" ؛ لأنه وإن كان مشتقا من الجدل ، فقد صار اسما للصقر ولا يقال لغيره إذا كان شديدا أجدل.