لذلك ، فمتى اضطر شاعر إلى تقديم الاسم في الحروف الأولى ، وأوقع الفعل على ضميره وجب أن تضمر فعلا توقعه على الاسم ، يكون الظاهر تفسيرا له ، فتقول : " لم زيدا أضربه" و" قد زيدا ضربته" ، و" سوف زيدا أضربه" على تقدير : لم أضرف زيدا أضربه ، وقد ضربت زيدا ضربته ، وسوف أضرب زيدا أضربه. ولا بد من تقدير هذا : لأن هذه الحروف لا معنى لوقوعها على الأسماء. والأفعال المشغولة بضميرها لا يصح تقديرها بعد هذه الحروف ؛ لأن الأسماء المضمرة المنصوبة قبلها توجب ضرورة إضمار الفعل ، وكذلك إذا قال : " هلا زيدا ضربته" ، وجب أن تضمر فعلا توقعه على" زيد" ، ويكون الظاهر تفسيرا له.
والذي يليه الاسم والفعل نحو : " ما ، وإنما ، وألف الاستفهام ، وهل ، وسائر حروف الاستفهام" وما جرى مجراهن.
فإن قال قائل : ما الذي أحوج سيبويه إلى ذكر هذه الحروف في صدر هذا الباب وهو باب الاستفهام؟
قيل له : لأن المعنى الذي من أجله يختار إضمار الفعل بعد حروف الاستفهام هو موجود في هذه الحروف ، وذلك أن هذه الحروف حكمها أن تدخل على الأفعال لا غير ، فإذا وليها الاسم أضمر بعدها فعل ، وكذلك حرف الاستفهام حكمه أن يدخل على الفعل ، إذا اجتمع الاسم والفعل بعده. فإذا وليه الاسم وقد وقع الفعل على ضميره ، اختير إضمار الفعل.
فحرف الاستفهام مشاكل لهذه الحروف في باب أنه أولى بالفعل ، غير أنه يجوز أن يليه الاسم ولا يضمر الفعل بعده ؛ لأنه يجوز أن يدخل على مبتدإ وخبر ، كقولك : " أزيد قائم" ، و" أزيد أخوك" ، و" هل زيد منطلق"؟
فإن قلت : " هل زيدا رأيت؟ " ، و" هل زيد ذهب؟ " قبح. ولم يجز إلا في الشعر ؛ لأنه لما اجتمع الاسم والفعل حملوه على الأصل.
واعلم أن ألف الاستفهام هي أم حروف الاستفهام ، ومعنى ذلك أنها تدخل على الاستفهام في جميع مواضعه ، وغيرها من حروف الاستفهام تلزم موضعا وتختص به ، وتنتقل عنه إلى غير الاستفهام ، نحو قولنا : " من ، وكم ، وهل" وما أشبه ذلك.
فأما" من" : فهي للاستفهام عما يعقل ، وقد تنتقل فتكون بمعنى الذي ، وفي المجازاة.