وإن حملته على المنصوب منهما ، صار بمنزلة قوله : " أعبد الله ضرب أخاه زيد" ، فإذا قلنا : " أعبد الله ضرب أخوه غلامه" ، فحملناه على" الأخ" وهو الفاعل ، صار" عبد الله" كأنه الفاعل ، فأضمرنا فعلا يرفعه ، كأنا قلنا : " أعبد الله ضرب غلامه" ، وإذا حملناه على" الغلام" فكأن الفعل به واقع من أخيه به ، فيصير التقدير : " أعبد الله ضرب أخوه".
وقول سيبويه : (كأنه قال في التمثيل ـ وإن كان لا يتكلم به ـ " أعبد الله أهان غلامه ، أو عاقب غلامه").
يريد : وإن كان لا يتكلم به في هذا المعنى الذي ذكره ، وهو قولك : " أعبد الله ضرب أخوه غلامه" ، وإنما جعله تقدير الرفع" عبد الله" في هذا الكلام ، ولا يؤدي عن معناه بعينه.
(وتقول : " آلسوط ضرب به زيد" ، وهو كقولك : " آلسوط ضربت به" وكذلك" آلخوان أكل عليه اللحم" وكذلك" أزيدا سميت به ، أو سمي به عمرو" ؛ لأن هذا في موضع نصب).
قال أبو سعيد : اعلم أنك إذا قلت : " أكل اللحم على الخوان" ، و" ضرب زيد بالسوط ، و" سمي أخوك بزيد" ، فهذه الحروف في موضع نصب ، وذلك أنك أقمت الأسماء مقام الفاعل ، فصارت هي في موضع نصب ، وحلت محل قولك : " مررت بزيد" ، " مر زيد بعمرو" ، " ونزل زيد على أخيك" ، فلما اتصلت الحروف بكنايات هذه الأسماء ، وقد قدمت الأسماء ، وجب أن تنصبها ؛ لأن الحروف التي اتصلت بكناياتها في موضع نصب ، فصار بمنزلة قولك : " أزيدا مررت به".
قال : (وإنما تعتبره أنك لو قلت : " السوط ضربت" فكان هذا كلاما أو" الخوان أكلت" ، لم يكن إلا نصبا كما أنك لو قلت : " أزيدا مررت" ، فكان كلاما ، لم يكن إلا نصبا فمن ثمّ جعل هذا الفعل الذي لا يظهر تفسيره تفسير ما ينصب ، فاعتبر ما أشكل عليك من هذا بذا).
يعني : الذي يدلك على أن موضع هذه الحروف نصب ، أنه لو كان هذا الفعل يتعدى بغير حرف ، ثم جئت باسمه تقيمه مقام الفاعل ، لم يكن الاسم الآخر إلا نصبا ، كقولك : " ضرب زيد السوط" ، و" أكل اللحم الخوان" ، فهذا لا يتكلم به ، ولو تكلم به لم يكن إلا نصبا ؛ لأنه لا يرتفع اسمان بفعل واحد.