وقوله : (فإنما جعل هذا المضمر بيان ما هو مثله).
يريد بقوله : بيان المبين ، يعني : هذا المضمر بيان الظاهر ، يريد مبين الظاهر ؛ لأن الظاهر قد بينه ودل عليه. والمصدر قد يكون اسما للفاعل والمفعول. فالفاعل قولك : " هذا رجل عدل" و" ماء غور" ، يريد : عادل ، وغائر. والمفعول قولك : " هذا رجائي" ، أي : مرجوي. و" درهم ضرب" ، أي : مضروب.
ومن الناس من يروي : فإنما جعل هذا المظهر بيان ما هو مثله ، ويقول" المضمر" خطأ في الرواية ، فإذا قال : المظهر ، فإنما يريد أن الفعل الظاهر قد بيّن المضمر ، ودل عليه ، فالبيان ها هنا المبين.
قال : (وتقول : " أعبد الله ضرب أخوه غلامه" ، إذا جعلت الغلام في موضع" زيد" ، حين قلت : " أعبد الله ضرب أخوه زيدا" ، فيصير هذا تفسيرا لشيء رفع" عبد الله" ؛ لأنه يكون موقعا للفعل بما يكون من سببه ، كما يوقعه بما ليس من سببه ، كأنه قال في التمثيل ، وإن كان لا يتكلم به" أعبد الله أهان غلامه ، أو عاقب غلامه" ، أو صار في هذه الحال عند السائل وإن لم يكن ، ثم فسر : وإن جعلت الغلام في موضع" زيد" فاعلا حين رفعت" زيدا" ، نصبت ، فقلت : " أعبد الله ضرب أخاه غلامه" ، كأنه جعله تفسيرا لفعل أوقعه غلامه عليه ؛ لأنه قد يوقع الفعل عليه ما هو من سببه كما يوقعه هو على ما هو من سببه ، وذلك قولك : " أعبد الله ضربت أخاه" ، و" أعبد الله ضربه أخوه" فجرى مجرى" أعبد الله ضرب زيدا" و" أعبد الله ضربه زيد" ، فكأنه في التمثيل تفسير لقوله : " أعبد الله أهانه غلامه" ، و" أعبد الله أهان غلامه" و" أضرب أخاه غلامه". ولا عليك أقدمت" الأخ" أم أخرته أم قدمت" الغلام" أم أخرته ، أيهما ما جعلته" كزيد" مفعولا ، فالأول رفع ، وإن جعلته" كزيد" فاعلا فالأول نصب).
جملة هذا الكلام : أن الاسم الذي يلي حرف الاستفهام ، إذا أتى بعده سببان له : أحدهما فاعل والآخر مفعول به ، فلا بد من حملة على أحدهما ؛ لأنه لا يمكن حمله عليهما ؛ لأنك لو حملته عليهما لنصبته ورفعته في حال واحدة ؛ لأن أحد سببيه مرفوع ، والآخر منصوب ، ومحال أن يكون هو مرفوعا منصوبا في حال ، فإذ قد استحال هذا ، فلا بد من حمله على أحدهما ، فإذا حملناه على أحدهما صار الآخر كأنه أجنبي ؛ فإن حملته على المرفوع منهما رفعته على الشرط الذي ذكرناه في قولك : " أعبد الله ضرب أخوه زيدا" ،