وليس في الآية دليل على أن الحذر يتعارض مع القدر ، أو يمنع من القدر شيئا ؛ ولكنّا مطالبون بألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ، وورد في الحديث : «اعقلها وتوكل» (١) والقدر جار على ما قضى الله ، ويفعل الله ما يشاء ، ويكون أخذ الحذر من القدر ، كما أوضحت في تفسير الآيات.
ودلّت الآيات ثانيا على قاعدة من قواعد الحرب أو سياسة من سياسات المعركة وخطتها وهي النهوض لقتال العدو إذا دعا الإمام الناس إلى النفر ، أي للخروج إلى قتال العدو إما جماعة إثر جماعة ، أو الزّج بطاقة الجيش الكثيف كله في قلب المعركة ، على وفق ما يرى القائد الحربي من مصلحة ، معتمدا على استطلاع أحوال العدو واستعداداته واستحكاماته ، واحتمالات تطور المعركة. ويقال للقوم الذين ينفرون : النفير.
وبناء على هذا ، فليست الآية منسوخة ولا معارضة لقوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة ٩ / ٤١] ، وقوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ) [التوبة ٩ / ٣٩] ، وقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) [التوبة ٩ / ١٢٢] ؛ لأن كل آية يعمل بها بحسب الظرف الحربي الملائم لها ، فإحداها في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعيين الجميع ، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها.
وترشد الآيات ثالثا إلى أن في الأمة في كل زمان فئة المثبطين أو المبطئين وهم المنافقون ، والتبطئة والإبطاء : التأخر ، وديدنهم القعود عن القتال ويقعدون غيرهم معهم. فهم من جنس الأمة ودخلائها وممن يظهر الإيمان للجماعة ، ويتظاهر بالإخلاص في رسالتها. وهم جماعة انتهازيون : إن حققت الجماعة فتحا ونصرا وأحرزت غنيمة ، يقول المنافق الواحد منهم : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ، كأنه مقطوع الصلة والمودة بالأمة ولم يعاقد على الجهاد.
__________________
(١) رواه الترمذي عن أنس ، وهو ضعيف.