المناسبة :
هذا بيان نوع من أنواع القتل الخطأ الذي كان يحصل في الماضي بسبب قيام حالة الحرب أو الحرب نفسها مع المشركين ، وفيه تسرّع بالحكم بعدم الإسلام على الرجل ، بعد أن بيّن الله تعالى في الآية السابقة حكم نوعي القتل : الخطأ والعمد.
وذكر القرطبي أن هذه الآية متصلة بذكر القتل والجهاد في الآيات السابقة.
التفسير والبيان :
يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله إذا سرتم لجهاد الأعداء ، ورأيتم من تشكّون أهو مسلم أم كافر ، مسالم أم محارب ، فتمهّلوا في الحكم عليه ، وتبيّنوا حقيقة أمره ، أهو مؤمن لتحيته لكم بالسّلام أو نطقه بالشهادتين ، ولا تعجلوا بقتله ، ولا تقولوا لمن استسلم ولم يقاتلكم وأظهر أنه مسلم : إنك لست مؤمنا ، فأنتم مأمورون بالعمل بالظاهر ، والله أعلم بأمره.
تبتغون بذلك الحصول على متاع الحياة الدّنيا ومغانمها الفانية الزائلة ، فعند الله أرزاق كثيرة ونعم وأفضال لا تحصى ، وعنده خزائن السموات والأرض ، فالتمسوها بطاعته ، فهي خير لكم ، ولا يصح منكم ولا يليق بكم أن تفعلوا هذا الفعل ، وتتسرّعوا في الحكم على ما في قلوب الناس ، وتتهموهم بالمصانعة والتّقية ، والخوف من السيف.
على أنكم نسيتم حالكم ، فكنتم هكذا من قبل ، آمنتم سرّا ، وكنتم تخفون إيمانكم من المشركين ، ثم أظهرتم الإسلام علنا ، وهذا حال من قتلتموه ، كان يسرّ إيمانه ويخفيه من قومه ، وكما قال تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال ٨ / ٢٦] ، فمنّ الله عليكم أي فصرتم آمنين مطمئنين وفي عداد المؤمنين ، ومنّ الله عليكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان ، وبإعزاز دينه وتقوية