حسدا وحقدا على النبي صلىاللهعليهوسلم : (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) يدعون عليه بقولهم : لا أسمعك الله ، أو غير مسمع دعاؤك ، أو غير مقبول منك ، بدلا من أن يقولوا أدبا : «لا سمعت مكروها».
وكانوا يقولون كذلك : (راعِنا) اسم فاعل من الرعونة أي الطيش والحمق ، أو هي «راعينا» كلمة سب وطعن عندهم ، بدلا من أن تستعمل بمعنى : أنظرنا وتمهل علينا. وقد نهى الله المؤمنين أن يستعملوا هذه الكلمة بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا : راعِنا ، وَقُولُوا : انْظُرْنا) [البقرة ٢ / ١٠٤].
هذه جرائم ثلاث ارتكبوها مع النبي صلىاللهعليهوسلم إما في مجلسه أو بعيدا عنه ، بدافع الحسد والحقد ، أو الاستهزاء والسخرية ، يستعملون كلاما محتملا معنيين ، وهم يريدون به الشتيمة والإهانة ، لا التوقير والاحترام والتكريم ، ليا بألسنتهم وفتلا بها وصرفا للكلام عن إرادة الخير إلى إرادة الشر والسب ، وطعنا في الإسلام وقدحا فيه ، فيوهمون أنهم يقولون : راعنا سمعك بقولهم : (راعِنا) وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي صلىاللهعليهوسلم. وهذا منتهى الوقاحة والجرأة على الباطل.
ومن تحريف لسانهم تحيتهم بقولهم : «السام ـ الموت ـ عليكم» يوهمون بفتل اللسان أنهم يقولون : «السلام عليكم» فيجيبهم النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «وعليكم» أي كل أحد يموت.
قال ابن عطية : وهذا موجود حتى الآن في اليهود ، وقد شاهدناهم يربون أولادهم الصغار على ذلك ، ويحفّظونهم ما يخاطبون به المسلمين ، مما ظاهره التوقير ويريدون به التحقير (١).
ثم وجّه الحق تعالى إلى الخطاب الأمثل فذكر : ولو أنهم قالوا : سمعنا وأطعنا ، واسمع منا ما نقول وانظرنا ، أي أمهلنا وانتظرنا ولا تعجل حتى نتفهم
__________________
(١) البحر المحيط : ٣ / ٢٦٤