أولئك المتصفون بهذه الصفات هم أهل الجنة لا غيرهم ، وهم المقيمون الماكثون فيها أبدا ، لا زوال فيها ، ولا انقراض لنعيمها.
ولما أخبر تعالى عن حال السعداء ، عطف بذكر حال الأشقياء ، كما هو الشأن الغالب في الموازنة والمقارنة في الأسلوب القرآني ، وشأنه تعالى مع الفريق الأول الفضل والإحسان ، ومع الفريق الثاني المعاملة بالعدل.
فللذين اقترفوا السيئات والمعاصي في الدنيا ومنها الكفر والشرك والظلم الجزاء العادل وهو المجازاة على السيئة بمثلها ، لا زيادة عليها كقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعام ٦ / ١٦٠] ، وتغشاهم أي تعتريهم وتعلوهم ذلّة من فضيحة معاصيهم وخوفهم منها ، كما قال تعالى : (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) [الشورى ٤٢ / ٤٥] وقال : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) [إبراهيم ١٤ / ٤٢ ـ ٤٣].
ثم قال : (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي ليس لهم مانع ولا واق يقيهم العذاب ، أي لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه ، كما قال تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار ٨٢ / ١٩] وقال تعالى : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ : أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ كَلَّا لا وَزَرَ ، إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) [القيامة ٧٥ / ١٠ ـ ١٢].
(كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ ..) أي ألبست وجوههم أجزاء أو أغشية من سواد الليل المظلم ؛ لفرط سوادها وظلمتها ، كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ؟ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ، فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [آل عمران ٣ / ١٠٦ ـ ١٠٧] وقوله سبحانه : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ، ضاحِكَةٌ