ولكل أمة من الأمم مدة من الزمن أو العمر مقدرة ، فإذا جاء أجلهم ، لا يملك رسولهم ولا غيره أن يقدمه ولا أن يؤخره ساعة من الزمان المقدر له.
وهذا يدل على أن الجزاء يحصل مع حصول الشرط ، لا متأخرا عنه ، وأن حرف الفاء لا يدل على التراخي ، وإنما يدل على كونه جزاء.
ثم أجابهم الله تعالى بجواب آخر : (قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ ..) أي قل لهم أيها الرسول : أخبروني عن حالكم وما يمكنكم أن تفعلوه ، إن أتاكم عذابه ليلا وقت مبيتكم ، أو نهارا وقت شغلكم.
وأي نوع من العذاب تستعجلون ، أعذاب الدنيا أم عذاب الآخرة؟ وكل من العذابين واقع شديد ، وأي عذاب تطلبون تعجيله فهو جهل وحماقة؟ فأي فائدة لكم فيه؟ إن قلتم : نؤمن عنده ، فالإيمان وقت الشدة واليأس باطل ، فالعذاب القريب هو عذاب الدنيا ، ويعقبه يوم القيامة عذاب آخر أشد منه.
وهذا معنى قوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ؟) أي أتنتظرون مجيء هذا العذاب للإيمان؟ فإذا وقع بالفعل آمنتم به ، في وقت لا ينفع الإيمان ، ويقال لكم توبيخا : آلآن آمنتم بالله والرسول اضطرارا وقسرا ، مع أنكم كنتم قبل ذلك تستعجلون العذاب على سبيل السخرية والاستهزاء والتكذيب والاستكبار؟! ودخلت ألف الاستفهام على (ثُمَ) للتقرير والتوبيخ ، وليدل على أن معنى الجملة الثانية بعد الأولى.
ثم يقال للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصيان ، وتكذيب الرسول ووعيده : تجرعوا عذاب الله الدائم لكم أبدا ، هل تجزون أي لا تجزون إلا بما كنتم تكسبون وتعملون باختياركم من الكفر والمعاصي.
وذكر هذه العلة : (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) كلما ذكر العقاب والعذاب دليل على أن جانب الرحمة راجح غالبا ، وجانب العذاب مرجوح مغلوب.