تقريبه إلى قلب الملك ، وإنجائه من السّجن ، مكّنّا له في الأرض ، أي أقدرناه على ما يريد ، وجعلنا له مكانة ومنزلة في أرض مصر ، فانتقل من كونه مملوكا إلى أن أصبح مالكا آمرا ناهيا ، ذا نفوذ وسلطة ، مطاعا بعد أن كان تابعا لغيره مطواعا ، حرّا طليقا بعد أن كان سجينا أسيرا ، وذلك لما تحلّى به من صبر ، وإطاعة لله عزوجل ، وعفّة وخلق وعقل حكيم ، فإنه صبر على أذى إخوته ، وفي الحبس بسبب امرأة العزيز ، وعفّ عن السّوء والفحشاء ، وامتنع من اقتراف المنكر ، فأعقبه الله النّصر والتّأييد ، وأصبح في منصب سيّده السّابق الذي اشتراه من مصر ، العزيز زوج التي راودته ، قال مجاهد : وأسلم الملك على يدي يوسفعليهالسلام.
وما أضاعه ربّه ورحمه وصانه ، والله تعالى يخصّ برحمته من يشاء ورحمته وسعت كل شيء ، فيعطي الملك والغنى والصّحة ونحوها من يريد من عباده. وقوله تعالى : (بِرَحْمَتِنا) أي بإحساننا ، والرّحمة : النّعمة والإحسان.
(وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي لا نضيع ثواب الذين يحسنون أعمالهم ، فنمنحهم في الدّنيا سعادة وعزّا ومكانة ، وفي الآخرة خلودا في الجنان.
(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ ..) أي إنّ ثواب الآخرة للمؤمنين الأتقياء ، وهو التّنعم في الجنان خير وأعظم وأكثر من خير الدّنيا وما فيها من متاع العزّ والسّلطان ، والجاه والملك ، والمال والزّينة ونحو ذلك.
والله تعالى يخبر بهذا أن ما ادّخره لنبيّه يوسف عليهالسلام في الدّار الآخرة أعظم وأكثر وأجلّ مما أنعم عليه من التّصرّف والنّفوذ في الدّنيا ، كقوله في حقّ سليمان عليهالسلام : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ. وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) [ص ٣٨ / ٣٩ ـ ٤٠].
ومن جمع له الله السّعادتين في الدّنيا والآخرة ، كان فضل الله عليهم أكثر ،