والمعنى : وقال الملك : أحضروه إليّ من سجنه ، أجعله من خاصّتي وأهل مشورتي وموضع ثقتي ، فلما خاطبه الملك وتعرّف عليه ، ورأى فضله وعلمه وبراعته ، وحسن أدبه ، وسموّ أخلاقه ، قال له : إنك عندنا اليوم وما بعده أصبحت ذا مكانة وعزّة وأمانة تؤتمن على كلّ شيء في أمور الحكم ، وصاحب التّصرف التّام في شؤون البلاد.
روي أن يوسف لما خرج من السّجن اغتسل وتنظّف ولبس ثيابا جددا ، فلما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك من خيره ، وأعوذ بعزّتك وقدرتك من شرّه ، ثم سلّم عليه بالعربيّة ، فقال الملك : ما هذا اللسان؟ فقال : لسان عمي إسماعيل ، ودعا له بالعبريّة ، فقال : ما هذا اللسان؟ قال : لسان آبائي.
وكان إبراهيم وأولاده وحفدته من العرب القحطانيين ، وكان ملوك مصر من العرب الذين يسمون بالرّعاة (الهكسوس).
قال يوسف : اجعلني أيها الملك على خزائن الأرض : وهي الخزن التي تخزن فيها الغلال ، وهي الأهرام التي يجمع فيها الغلّات لما يستقبلونه من السّنين التي أخبرهم بشأنها ، أي ولّني عليها ، لأشرف عليها ، وأتصرّف فيها حتى أجعل توازنا اقتصاديا بين سنوات الخصب وسني القحط ، فأنقذ البلاد من المجاعة التي تهدد أهلها ، بحسب الرؤيا التي رأيت ؛ لأني حفيظ عليم ، أي خازن أمين ، ذو علم وبصيرة بما يتولاه. وفي هذا إيماء لأهمية التّخطيط والتّنظيم المالي وإقامة التوازن بين الموارد الماليّة والنفقات.
فأجابه الملك إلى طلبه ، وجعله وزير المال والخزانة ، وأطلق له سلطة التّصرف في شؤون الحكم ، لما لمس لديه من رجاحة عقل ، وخبرة وضبط وسياسة ، وحسن تصرّف ، وقدرة على إحكام النّظام.
(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا ..) أي ومثل هذا الإنعام الذي أنعمنا على يوسف في